المقالات

طباعة

الزمن قراءة تحليلية موجزة

Posted in الثقافة

 

وبما أن للحركة أنواعاً ودرجات منها السريع والبطيء، وإن الزمان غير ذلك حيث يكون زماناً واحداً بين جميع الموجودات لا تغير فيه قط، فهو على نسق واحد. وبذلك يكون مرتبطاً بالحركة دونما أن يكون هو الحركة ذاتها، إنه مقياسها في الما قبل والما بعد ليس إلا. أما "الحركة" فهي سرمدية ومستمرة بلا إنقطاع2.
هذا ويركز أرسطو على أن مفهوم الزمان يكمن في "الآن" وهو أقرب ما يكون بها محدوداً. فكل آن يوجد قبله آن وبعده آن كذلك. وبما أنه لا يوجد هنالك من آن يكون هو البداية إلى الآنات الزمانية، وأيضاً لا يوجد هنالك من آن يحمل صفة النهاية الزمانية. إذن فأن الزمان أزلي حيث لا بداية له ولا نهاية، وكذا الأمر مع الحركة حيث ليست لها من بداية معينة ولا نهاية تقف عندها وهي بذلك أزلية أبدية لكونها مرتبطة بالزمان. وعلى هذا الأساس يرى أرسطو أن الوجود أزلي قديم وليس محدثاً كما عند أفلاطون.
وفي نظرية الفيض التي وضعها زعيم المدرسة الإسكندرانية أفلوطين (205-270 م) ينص على أن الخلق حدث بشكل فيض من "الواحد" إلى ما دونه من العقول أو الأفلاك المتدرجة نحو الأسفل. بيد أن هذا الفيض أو الصدور الإلهي حدث بالضرورة وليس بالإرادة، وكذلك ليس بزمان، لأن الزمان يتطلب وجوده في الأشياء المحسوسة دون العقول المجردة3. كما وأن الحركة في هذا الفيض لا تعني بأنها تنقل من المحرك إلى المتحرك بالضرورة، كما أعتقد أرسطو، بل أن أصل الفيض يكون من كمال الواحد وليس بالتعدد التسلسلي. وهكذا يكون المتحرك طوعية ينشّد إلى المحرك ويتعلق به فيصدر الوجود من جراء كماله. 
ويؤيد يعقوب الكندي (185-256 ه/801-872 م) موقف أرسطو حيث أن الزمان مقياس عددي إلى الحركة، ويدحض قول إفلاطون. ومع ذلك فأن الكندي يعتبر هذا "الآن ليس زماناً" إلا إذا أعتبر في العقل من آن إلى آن آخر، فإننا نجعل فيما بينهما يوجد زمان. وعليه فأن الزمان ليس في شيء سوى أنه يكمن في القبل والبعد. أي ليس أكثر من كونه المقدار العددي للحركة. وعلى حد قوله: أن الجسم لا يكون موجوداً إلا في مكان ونهاية. "وفيه أيضاً حركة يوجد بها كَوْنُه، وهذا له ذاتي في المكان والزمان، لأن الزمان عدد الحركة"4.

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed