المقالات

طباعة

هل تعرف دمشق ياسيدي؟

Posted in الثقافة

ولما بدأت كتابة الرواية فعلياً، في الأربعين من عمري، فكرت بكتابة رواية عن دمشق، غير أني وجدت معارفي عنها لاتشكل مادة مطاوعة لذلك، ثم كرت الأيام وأنا أفكر بكتابة هذه الرواية التي لن أكتبها أبداً، والسبب بسيط: هذه الرواية، لو كتبتها، تخصني أنا وحدي، وليس للناس علاقة بها، ففيها جرحي الذي تسببت الظروف، يوم جئتها فقيراً معدماً، في جعله ناغراً إلى أن أندمل، ولافائدة من الكلام على هذا الفقر الخاص، والذي كتبت عنه كثيراً، وباعدت بيني وبينه الأعوام، إضافة إلى أن التعتيم الفني، يقتضي تحويل ماهو خاص، إلى ماهو عام، أي أن ألمي كفرد، ينبغي أن يتناول ألم الناس الذين كانوا في مثل وضعي، وفي هذا إعادة فتح للجراح لامبرر له، باعتباره يدخل في سيرتي الذاتية، التي بدأت مع ثلاثية «بقايا صور- المستنقع- القطاف» وعلي أن أنتظر إلى أن تتكامل، فتبلغ مرحلة معاناتي القاسية في دمشق، ولئن رحلت قبل الوصول إليها فلن يخسر القراء شيئاً، مادامت حياتي كلها معاناة سوداء، منذ وعيت الوجود إلى أن اقتربت من الثمانين، التي قال عنها زهير بن أبي سلمى بيته الشعري المعروف. ‏

لقد كتبت روايتي «الياطر» (مرساة السفينة) قبل ثلاثين عاماً، وشاء القدر أن تكون أشهر رواياتي، وأن تطبع حتى الآن أكثر من سبع عشرة طبعة، وهي، كما يعرف القراء، الجزء الأول، الذي يتناول حياة زكريا المرسلني، وقتله زخريادس الخمار، وفراره إلى الغابة، والرواية، ككل، تتحدث، أصلاً، عن ابن زكريا، الذي قتل حسن الجربيدي، وتفاصيل هذا الجزء، وهو الثاني، حاضرة في ذهني، ولاأزال احتفظ بمخططها على الورق، بكل دقته وشروحه، إلا أنني، رغم إلحاح القراء، و«دار الآداب» ناشرة كتبي، على إكمال الرواية، فإنني لم أفعل، بسبب من أن اللياقة الجسدية والنفسية، التي كنت عليها، حين كتبت الجزء الأول، الياطر، قد اندثرت، تآكلت مع الزمن، صارت ورائي، ولو أقدمت على كتابة الجزء الثاني، فلن يكون بقوة الجزء السابق، لذلك أسوّف، وأماطل، وأعتزم، وأرتد عن عزمي خوفاً، مع أن هذا الخوف سيتبدد، أغلب الظن، ما إن أبدأ، إلا أنني لاأبدأ، ومن المرجح أن هذه البداية لن تكون، وأن الجزء الثاني لن يرى النور إلا بمعجزة. ‏

الخوف نفسه يتملكني كلما هممت بوضع رواية عن دمشق، وإني لأتساءل: لماذا هذا الخوف، وقد عشت كل هذا العمر في دمشق، كلما صح عزمي على أن أبدأ؟ ‏

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed