طباعة

الحلبة ((Trigonella foenum-graecum النبتة القديمة الجديدة

Posted in المغذيات

helbaمقدمة تاريخية

عرف الإنسان استعمال التوابل المنكهة منذ آلاف السنين، بغية إضفاء صفات مرغوبة على طعامه من لون أو طعم أو رائحة أو تغيير قوام، أو تغيير خصائص حسية أخرى. ومن بين أهم تلك التوابل أو البهارات كانت نبتة الحلبة (Trigonella foenum-graecum) التي تنتمي إلى عائلة البقوليات، والتي ابتدأ ظهورها في الهند منذ ما يربو على 2500 عام،

وانتقلت منها إلى شمال أفريقيا وغيرها من دول العالم. وتعد الهند المصدر الأول والأهم للحلبة في العالم، والأكثر استهلاكا لها في آن معاً. ونتيجة لانتشارها في عديد من دول العالم، فقد عرفت الحلبة بأسماء مختلفة تبعاً للبلد الذي شاعت وانتشرت فيه.

وفي الترات العربي الإسلامي، عرفت الحلبة في استطبابات العرب ووصفات حكمائهم، إذ ذكرها ابن سينا في كتابه "القانون" في معرض حديثه عن علاج  أمراض الجلد وتقوية الشعر، واستعملت من قبل العرب والفرس في زيادة الكتلة العضلية للنساء، وعرفها واستعملها الإغريق والهنود والصينيون في طبهم الشعبي التقليدي منذ آلاف السنين، حتى قال بعض الأطباء القدامى فيها:"لو يعلم الناس ما في الحلبة لاشتروها ولو بوزنها ذهباً". والشائع لدى كثير من الناس أن هذا حديث عن النبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم- (أخرجه الطبراني في الكبير)، والصحيح أنه- كما قال علماء الحديث- لا يصح نسبته إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم- لأنه ضعيف أو موضوع (إسلام ويب، مركز الفتوى) .وفي الطب الشعبي المعاصر، وصفت الحلبة لتخفيف آلام المفاصل ومعالجة البرد والزكام، والتخفيف من ارتفاع سكر الدم، كما استعملت منذ زمن بعيد في العديد من المجالات الدوائية، كمعاجلة مشاكل الجهاز الهضمي مثل فقد الشهية وفي تحفيز الإفرازات المعدية.

<hrdata-mce-alt="2" class="system-pagebreak" />

 

ونبتة الحلبة متعددة الاستعملات كثيرة الفوائد، بخلاف كثير من النباتات التابلة، إذ تستعمل منها البذور كمادة تابلة منكهة، فيما تستعمل والأوراق الخضراء كما هي في الطعام اليومي، بطعمها المميز المرغوب. وتمتاز بذور الحلبة بطعمها المميز التابل الذي يجمع ما بين المرارة والحلاوة، كما عرفت باستعمالاتها الغذائية المتنوعة، مثل تحضير الأطباق المختلفة من الشوربات والحلويات.

القيمة الغذائية لنبتة الحلبة (الأوراق والبذور)

تمتاز أوراق الحلبة الخضراء بقيمتها الغذائية الجيدة، إذ تعد مصدراً جيداً للعديد من الفيتامينات والمعادن، كما تعدمصدراً متميزاً لمركب الكولين الحيوي. والجدول التالي يوضح القيمة الغذائية والتحليل الكيماوي لأوراق وبذور الحلبة كما أثبتتها الأبحاث العلمية (جدول رقم 1).

وتمتاز بذور الحلب بطعمها المر، ورائحتها المميزة، وتعرف بخصائصها المحفزة لإدرار الحليب والمضادة للبكتيريا والطاردة  للأرياح من الأمعاء. ويعزى الطعم المر لبذور الحلبة إلى وجود مادة زيتية تحتوي مركبات صابونية وألقالويدية. وتتكون بذور الحلبة من 50% من وزنها من  نشويات معقدة غير قابلة للهضم، وتحتوي  على كميات معتبرة من الألياف الغذائية بنوعيها الذائبة في الماء (30%) وغير الذائبة في الماء (20%)، وهو ما يجعل من الحلبة واحداً من أفضل المصادر الغذائية للألياف، الضرورية للمحافظىة على صحة الجهاز الهضمي والوقاية من التهابات القولون والإمساك وداء الأمعاء الردبي، وسرطان القولون على المدى البعيد، ويجعل منها مادة تضاف إلى أنواع الطحين المختلفة لتدعيمها بالألياف الغذائية وإنتاج أطعمة غنية بها.

وغالباً ما تكون النشويات المعقدة غير القابلة للهضم في بذور الحلبة على شكل مركبات الجالاكتومانان Galactomannan المعروفة بقدرتها على تحفيز نمو البكتيريا  النافعة Probiotic bacteria، وهو التأثير المعروف بالتأثير المحفز الحيوي Prebiotic effect الصحي والمفيد في تقوية مناعة الجهاز الهضمي والتخفيف من حدة الالتهابات في القولون وتحسين دهون الدم.

<hrdata-mce-alt="3" class="system-pagebreak" />

كما تحتوي بذور الحلبة على كمية متوسطة من الدهون (7.5%) تتكون من الجليسيريدات الثلاثية والشحوم الفوسفورية. أما بروتين الحلبة، فقد أشارت دراسات تقييم الجودة الغذائية له أنه برويتن متوسط الجودة، وأن استبداله بالبروتينات الحيوانية عالية الجودة (مثل الكازيين من حليب البقر) بنسبة 10% في الوجبة الغذائية لحيوانات التجارب لم يؤدي إلى تقليل الجودة الحيوية للبرويتن.

المركبات النباتية الطبيعية في الحلبة وتأثيراتها الحيوية

لعل ما جعل الحلبة تسترجع جانباً من مجدها الغابر، وتستيعد اهتمام العلماء والباحثين فيها مؤخراً، هو ما أثبتته مخرجات البحث العلمي من احتواء الحلبة على جملة من المركبات النباتية الهامة والتي أثبتت الدراسات اللاحقة عليها قدرتها على التأثير بشكل إيجابي على صحة الجسم وعلى الوقاية من عدد من الأمراض. ومن بين تلك المركبات الهامة (شكل رقم 1):

مركب الديوسجينين Diosgenin: وهو مركب ستيرويدي من مجموعة الصابونينات، ويعمل كمولد لهرمون الإستروجين في الجسم، فهو بذا يسهم في الحد من الأعراض السلبية المرافقة لانقطاع الطمث الناتج عن تراجع مستوى هرمون الإستروجين في جسم المرأة الكبيرة (بعد 45 سنة). وقد دللت على هذا الدور الدراسات العلمية التي أظهرت تراجع الآثار السلبية لمرحلة انقاطع الطمث وسن اليأس لدى المجتمعات التي تتناول نساؤها الحلبة بشكل متكرر، ومن أهم تلك الأعراض مرض وهن العظام Osteoporosis. كما يساعد مستخلص الحلبة من مركبات الصابونينات المذكورة على زيادة معدل انقباض الرحم بعد الولادة، وهو الأمر الذي جعل من الحلبة عاملا مسهلا للولادة ولا ينصح بتناوله بكثرة خلال الحمل، وكذا خلال فترة الحيض لمنع الإفراط في فقد الدم.  كما أظهر هذا المستخلص القدرة على تحفيز إفراز هرمون التستوستيرون الجنسي لدى الرجال، وهو ما جعل منه إحدى المقويات الطبيعية لهم. وأخيراً، فقد كثرت الادعاءات حول قدرة مستخلص بذور وأراق الحلبة على المساعدة في تكبير حجم الصدر لدى النساء، وهو ما لم تثبته الدراسات العلمية.

<hrdata-mce-alt="4" class="system-pagebreak" />

 

وقد تركز البحث العلمي على اختبار مستخلصات الديوسجينين من الحلبة وغيرها من النباتات الغنية بها في معالجة أو التخفيف من حدة عدد من الحالات المرضية والاضطرابات الأيضية  مثل: داء السكري بنوعيه الأول والثاني، وارتفاع دهون وكوليسترول الدم، وأمراض الجهاز الهضمي مثل القرحة وعسر الهضم. وفي العقد الأخير من الزمن، تركز البحث العلمي حول قدرة الحلبة ومستخلصها من مركب الديوسجينين على تثبيط النموات السطانية في جسم الحيوانات المسرطنة كيماوياً، وعلى تحفيز عمليات الموت المبرمج للخلايا المصابة بالسرطان لحماية الجسم من خطر انتشارها وتفاقمها، وخاصة خلايا سرطان القولون ولمعي المستقيم، وسرطان الدم وسرطان العظام وكذا التهاب المفاصل الروماتيزمي. ومؤخراً، تمكن العلماء والباحثون من دراسة التأثيرات التي تحدثها مركبات الديوسجينين من الحلبة وغيرها على المستوى الخلوي والجزيئي، بغية معرفة مواطن تأثيرها على الخلية وأنماط ذلك التأثير المثبط للسرطان، سعياً نحو اكتشاف مركبات نباتية طبيعية  تسهم في تطوير علاجات لأمراض السرطان المذكورة. كما أثبتت الدراسات العلمية قدرة هذا المركب على تثبيط تفاعلات الالتهاب التي تحصل في جسم الإنسان والحيوان، وعلى الحد من إفراز الإنزيمات الخلوية المسببة للالتهاب وتفاعلاته المؤدية إلى السرطان.

المركبات الفينولية: ولعل من أسباب قدرة الحلبة على مقاومة الفعل المسرطن والحد منه احتواؤها على عدد من المركبات النباتية الفينولية وغير الفينولية، والتي تكسب الحلبة القدرة العالية علة منع التأكسد الضار للخلايا والدهون في الجسم، ويشكل عامل حماية ووقاية للخلية الحية والجسم من بعدها على مقاومة الفعل المسرطن والحد من تطور أمراض القلب والشرايين.

<hrdata-mce-alt="5" class="system-pagebreak" />

 

ومن بين أبرز الآثار الصحية التي تم اختبارها، قدرة الحلبة على التخفيف من حدة ارتفاع كوليسترول الدم، حيث أثبتت دراسة علمية على عدد من المصابين بداء ارتفاع دهون الدم أن التناول المنتظم لمسحوق الحلبة قد أدى إلى انخاض منسوب الكوليسترول الضار LDL بشكل معنوي خلال مدة الدراسة، دون التقليل من مستوى الكوليسترول النافع HDL، وهو ما يشكل عامل  حماية ووقاية ضد أمراض القلب  والشرايين، مثل تصلب الشرايين لدى هؤلاء لمرضى. كما أثبتت كثير من الدراسات العلمية قدرة مستخلص الحلبة على ضبط ارتفاع سكر الدم، وعلى التخفيف من حدة حالة المقاومة للانسولين وعدم تحمل سكر الجلوكوز في الدم، وهو ما جعل منه غذا صحياً ملائماً لمرضى السكري من النوعين الأول والثاني، وإن كان لا يرقى إلى مستوى المعالجة لهذا الداء، إلا أنه يسهم في الحد من مضاعفاته الخطيرة على الجسم.

وأخيرا، وعلى الرغم من العديد من الفوائد الصحية للحلبة على صحة الإنسان، إلا أنها لها من الجوانب السلبية والأعراض الجانبية المكروهة ما يكون سبباً لدى لكثيرين للامتناع عنها وتجنب تناولها. ومن ذلك الرائحة المميزة، الكريهة لدى البعض، التي تتسبب بها الحلبة في النفس والعرق وحليب الأم بعد تناولها، وكذا التسبب بالإسهال لدى البعض، ومفاقمة الحالة الصحية سوءاً لدى مرضى الأزمة التنفسية ومرضى انخفاض سكر الدم.

وأخيراً، فهذه بعض الجوانب العلمية التي أحببت أن أطلع القاريء الكريم عليها حول القيمة الغذائية واصحية لنبتة الحلبةوبذورها، وعلى مجالات البحث العلمي حول هذه النبتة الشهيرة، التي اسـتأنفت في تبؤ مكانتها مؤخراً في محتبرات البحث العلمي وفي أبحاث الأطباء والعاملين في الحقل الصحي، وهو ما يدفعنا إلى مزيد اهتمام بهذه النبتة وزيادة احرص على تناولها، وعلى السعي الدؤوب لتظوير العقاير والعلاجات منها.

<hrdata-mce-alt="6" class="system-pagebreak" />

 

المراجع:

-Srinivasan, K. (2006). Fenugreek (Trigonella foenum graecum): A Review of Health Beneficial Physiological Effects. Food Reviews International, 22:203–224.

-Aggarwal BB, Kunnumakkara AB, Harikumar KB, Tharakan ST, Sung B,

Anand A. (2008). Potential of spice-derived phytochemicals for cancer

prevention. Planta Med, 74: 1560–1569.

-Craig WJ (1999).Health-promoting properties of common herbs. American Journal of Clinical Nutrition, 70(suppl):491S–9S.

-    Naidu MM, Shyamala BN, Naik JP, Sulochanamma G, and Srinivas P. (2011). Chemical composition and antioxidant activity of the husk and endosperm of fenugreek seeds. LWT - Food Science and Technology ,44: 451e456.

-Catherine Ulbricht et al. (2007). Fenugreek (Trigonella foenum-graecum L. Leguminosae): An evidence-based systematic review by the natural standard research collaboration. Journal of Herbal Pharmacotherapy, 7:3-40.

-Basch E, Ulbricht C, Kuo G, Szapary P, Smith M. (2003).Therapeutic applications of fenugreek. Alternative Medicine Review,8 (1): 20-27.

-Liu Y,  Kakani R, and Nair MG.(2012). Compounds in functional food fenugreek spice exhibit anti-inflammatory and antioxidant activities. Food Chemistry, 131:1187–1192.

-Sirtori CR, Galli C, Anderson LW, Sirtori E and Arnoldi A. (2009). Functional foods for dyslipidaemia and cardiovascular risk prevention. Nutrition Research Reviews , 22: 244–261.

<hrdata-mce-alt="7" class="system-pagebreak" />

 

شكل (1): أشكال التراكيب الكيماوية لمركبات الحلبة الوظيفية وهي: (أ) الصابونيجين (ديوسجينين)، و(ب) المركب النشوي المعقد الجالاكتومانان، و (ج) مركب الترايجونيللين.

جدول ( ):مقارنة المحتوى الغذائي والكيماوي لأوراق الحلبة الخضراء وبذور الحلبة الناضجة (لكل 100 غم).

العنصر الغذائي

أوراق الحلبة الخضراء

بذور الحلبة

الرطوبة (غم)

86.0

 

بروتين (غم)

4.4

30

دهون (غم)

1.0

7.5

ألياف غذائية (غم)

1.0

50

مركبات الصابوجينينات (غم)

 

2

تريجانوللين (ملغم)

 

380

كالسيوم (ملغم)

395

160

مغنيسيوم (ملغم)

67

160

فوسفور (ملغم)

51

370

حديد (ملغم)

16.5

14

صوديوم (ملغم)

76

19

بوتاسيوم (ملغم)

31

530

نحاس (ملغم)

0.26

33

كبريت (ملغم)

167

16

كلوريد (ملغم)

165

165

منغنيز (ملغم)

 

1500

زنك (ملغم)

 

7.0

كروم (ملغم)

 

0.1

كولين (ملغم)

1350

50

فيتامين ج (ملغم)

52

43

بيتا-كاروتين (ميكروغم)

2300

96

ثيامين (ميكروغم)

40

340

ريبوفلافين (ميكروغم)

310

290

نياسين (ملغم)

0.8

1.1

حمض الفوليك (ميكروغم)

 

84

Srinivasan (2006).

 

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed