المقالات

طباعة

ماذا حدث للفلاح المصرى ؟

Posted in المجتمع

وهذه العلاقة الفاترة أو السلبية بالأرض ربما تكمن وراء الرغبة المحمومة لدى كثير من الفلاحين لتبوير أرضهم وتحويلها إلى أرض بناء تدر عليهم ربحا سريعا , وربما تكمن أيضا وراء التراخى فى استصلاح الأراضى المتاحة فى الصحراء والصبر عليها حتى تصبح صالحة للزراعة .

 

تآكل الأسرة الممتدة :

كانت الأسرة الممتدة من خصائص المجتمع القروى , وهى الأسرة التى تضم ثلاث أجيال يعيشون فى بيت العائلة الكبير : الجد ( والجدة ) , الأبناء ( والبنات) , ثم الأحفاد . ومع التغيرات الإقتصادية والإجتماعية قل عدد الأسر الممتدة وتزايد عدد الأسر النووية الصغيرة (الأب والأم والأبناء) يعيشون فى شقة صغيرة أو بيت صغير . وقد تظل الأسرة الصغيرة على اتصال يومى بالأسرة الكبيرة ولكنه فى الغالب اتصال وظيفى وليس اتصالا عضويا . وقد أثر هذا على علاقة الأبناء والأحفاد بجيل الأجداد فلم تعد كلمة الكبير لها نفس المكانة كما كان فى الماضى حين كان الكبير يملك الأرض والبيت ومن فيهما , وأصبحت الروح الفردية أكثر شيوعا فكل إنسان يحاول أن يدير حياته كما يريد ويرى , والجيل القديم يقاوم هذه النزعة الفردية ويحاول قدر استطاعته الإبقاء على حالة الوصاية القديمة والتى كانت سائدة فى عهدهم , وقد أدى هذا إلى صراع بين الأجيال يبدو أكثر حدة فى هذه الأيام .

وفكرة غياب الكبير انتقلت إلى المستويات السلطوية والإجتماعية فلم يعد للعمدة أو شيخ الخفراء أو شيخ البلد نفس التقدير , بل كثيرا ما تتعرض هذه الرموز للسخرية والإستهزاء بشكل مباشر أو غير مباشر .

ولم تعد لدى الفلاح المصرى رغبة فى إنجاب عدد كثير من الأولاد , ولم تعد فكرة العزوة تراوده بنفس الدرجة التى كانت موجودة لدى الآباء والأجداد , فهو الآن يعلى من قيمة الثروة وقوة المال والنفوذ الوظيفى .

 

الهجرة إلى المدينة :

حين ضاقت الرقعة الزراعية وافتقرت أو أفقرت أصبح أحد أحلام الفلاح المصرى الهجرة إلى المدينة حيث أحلام الثروة والحياة المدنية الحديثة , وحين ذهب إلى المدينة نقل إليها خصائص الحياة الزراعية فبنى العشوائيات , وأضفى ذوقه الريفى على المساحة التى يشغلها  , ونقل أخلاقيات المجتمع الزراعى إلى المدينة كالبطء والتراخى والإحساس الممتد بالزمن , وعدم تقدير أهمية المواعيد , وعدم تحرى الدقة , وضعف الإهتمام ببروتوكولات العلاقات الإجتماعية. وقد أثر هذا تأثيرا سلبيا على مجتمع المدينة , ذلك المجتمع الذى يحتاج إلى خصائص نفسية واجتماعية تناسب سرعة الحياة ومتطلبات الدقة فيها , ومراعاة مستويات أعلى من الذوق العام فى الأماكن ذات الطابع السياحى أو الجمالى , وتقدير احتياجات المجتمع الصناعى من الدقة والسرعة واحترام الوقت .

 

السفر إلى الخارج :

كان معروفا عن الفلاح المصرى ارتباطه الشديد بأرضه وقر يته وعزوته وقد ظل على هذا الحال قرونا طويلة على الرغم مما كان يمر به من مشكلات فقر واحتياج , ولكن حدث فى النصف قرن الأخير تغير ملحوظ حيث بدا السفر إلى الخارج حلما يداعب خياله , ويسعى إليه بكل ما أوتى من قوة , وإذا نجح فى السفر فإنه يقضى سنوات طويلة هناك , ويأتى لزيارة أهله لمدة شهر أو شهرين كل عام أو عامين , وتصبح علاقته بزوجته وبأولاده علاقة موسمية مؤقتة وعلاقة تمويل أكثر منها علاقة أسرية متينة . ويفسر البعض إقبال الفلاح المصرى على السفر بهذا الشغف إلى ما تعرض له من إغراء استهلاكى عن طريق وسائل الإعلام حيث نقلت له أنماطا من الحياة الرغدة المرفهة فى مجتمعات أخرى لم يألفها من قبل , وفتحت شهيته للتطلع إلى مثل هذه الأنماط المعيشية ما دام ذلك ممكنا .

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed