المقالات

طباعة

هل يشكل المثقفون طبقة؟

Posted in الثقافة

بل هو كل من ولج المدرسة و تخرج منها، أو هو من ولج الجامعة و تخرج منها أو خرج، أو هو الذي حصل على إحدى الشهادات العليا. مع العلم أن كل هؤلاء يصعب أن نعتبرهم مثقفين إذا لم يكونوا منتجين للقيم الثقافية. و قد يتسع هذا المفهوم ليشمل الأعضاء الحزبيين أو منتسبي الجمعيات ، أو الأعضاء النقابيين. و هذا التوسع في المفهوم يعتبر اكبر جناية ترتكب في حق الثقافة و المثقفين حسب التحديد الحقيقي الذي حاولنا الوقوف عليه. لأن الأعضاء الحزبيين، أو منتسبي الجمعيات  أو النقابيين إما أن يكونوا منتجين للقيم الإيجابية التي تساهم في تطور قيم الواقع، لا يكونوا كذلك ، فعندئذ إنهم ليسوا مثقفين. و لذلك كانت إعادة النظر في مفهوم المثقف مسألة ضرورية في عصرنا هذا الذي تطور فيه كل شيء. إلا أن نقدم للناس ثقافة منتجة للقيم الإيجابية ذات الطابع العام الإنساني، و ذات الطابع الخاص الطبقي، لأن حضور العمومية و الخصوصية شرط لقيام ثقافة حقيقية، و لوجود مثقف حقيقي، حتى لا تصير الثقافة عاملا من عوامل تمزيق الشعوب، و شرذمتها، مما يؤدي إلى إضعاف قدرتها على مواجهة متطلبات الحياة من جهة، و على مواجهة الاختراقات الخارجية من جهة أخرى. وفي أفق إعادة النظر يجب أن نميز بين :

أ- المتعلم و المثقف. لأن المتعلم قد يكون منتجا للقيم، و قد لا يكون كذلك.
ب-المعلم و المثقف حتى لا تصير المهنة عنوان للثقافة، و المثقفين لأن المعلم قد يكون مخربا للقيم القائمة في الواقع، و المساهمة في تطوره و تطويره.
ج- الطبيب و المثقف، لأن الطبيب إنما يمارس مهنة الطب، و حتى و إذا كان هناك ما يدعو إلى نشر قيم معينة عن طريق مهنة الطب، فإنها لا تتجاوز الجانب الصحي، ما لم يكن الطبيب مهتما بالثقافة و ممارسا لها.
د- الأستاذ الجامعي و المثقف، لأن مهمة الأستاذ الجامعي محدودة في المعرفة العلمية التي يقدمها لطلبته، أو يبيعها لهم كمطبوعات . و بالتالي فإن إمكانية إنتاج القيم الإيجابية من خلال علاقتهم بالطلبة تكاد تكون منعدمة ما لم يكن الأستاذ الجامعي ممارسا للثقافة، و منتجا للقيم الثقافية الإيجابية فعلا.
ه- الحزبي و المثقف، لأن الحزبي يلتزم بالبرامج الحزبية، و بإشاعة المواقف التي قد تكون مستجيبة لطموحات و تطلعات الجماهير الشعبية الكادحة. و قد تتعارض مع تلك الطموحات. مما يجعلها لا تنتج إلا القيم السلبية، أو غير منتجة أصلا لأي شكل من أشكال القيم، إلا إذا كان الحزبي مثقفا فعلا سواء كان منحازا إلى الطبقة المستفيدة من الاستغلال، أو اختار الانحياز إلى الكادحين.
و- النقابي و المثقف، لأن النقابي يلتزم بالضوابط النقابية و بالبرنامج النقابي، و إذا لم يكن مبدئيا فقد يكون منتجا للقيم النقابية السلبية . فيصير بذلك مخربا للثقافة، و مناهضا للمثقفين الحقيقيين و معرقلا للتطور الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي للكادحين بممارسته للعمالة الطبقية ما لم يكن مثقفا فعلا، و مقتنعا بتوجه ثقافي يتناسب مع ممارسة التسلق إلى الأعلى، أو ممارسة التسلق إلى الأسفل.
و التمييز بين المهن أو بين المهام التي يمارسها البشر في اختياراتهم المختلفة، يعتبر مسألة ضرورية حتى تستطيع ممارسة التحديد في مفهوم المثقف، و مفهوم الثقافة، و حتى نتجاوز الخلط القائم في الواقع، و من اجل بناء منظومة من المفاهيم الأخرى التي لها علاقة بالثقافة و المثقفين على أساس التحديد في المصطلح، و على أساس الممارسة المعرفية العلمية التي يجب أن تسود بين الناس في أي مجتمع.
FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed