المقالات

طباعة

ماهية العلاقة الجدلية بين الوطن والمواطن والمواطنة!

Posted in الثقافة

أما مفهوم المواطن ومدى ارتباطه بالوطن، فيذهب بنا في طبيعة الحال الى القول بأنه ليس هناك وطن بلا مواطن، حيث يؤكد علماء اللغة والمفكرون على أن الفعل (وَطَنَ) يعني أقام بالمكان وأوطن به، أي اتخذه وطناً ومحلاً يسكن فيه، ومثله استوطن، لذلك فإن تسمية المواطن مشتقة من كلمة وطن ومفاعلة من الفعل "واطَنَ" الذي يعني وافق واتفق، فقولنا واطنت فلاناً على هذا الأمر يعني اتفقت معه عليه. حيث يقودنا هذا التفسير الى الإستنتاج بأن المواطن هو "الإنسان الذي يعيش في ذلك المكان (الوطن) ويكون جزءاً منه" ... وبناءً على هذه العلاقة الأزلية اللصيقة والمتوازنة بين المرء والمكان الذي يعيش فيه فإنه يترتب على المواطن ايضاً، أياً كان جنسه أو منصبه أو اتجاهه السياسي والديني والعرقي، مسؤوليات قانونية واخلاقية تأريخية في المحافظة على كيان وطنه واستغلاليته والالتزام بقوانينه والدفاع عنه وعن حقوقه ومصالحه والمحافظة على مصالح شعبه، مستمداً قوته من الموروث الحضاري والتأريخ المشترك وروح "الوطنية والمواطنة" التي يؤمن بها ويعمل من أجلها، والتي تؤكد ولائه وحبه لهذه الارض وانتمائه لها ولابناءها، بحيث لاتكون هناك مصلحة عليا تتعارض ومصلحة الوطن والمواطن.


وفي ضوء هذا التوصيف يستطيع المواطن أن يمارسة دوره الرقابي الذاتي لحماية الوطن، أي القيام بدور الرقيب في المحافظة على النظام وحماية مؤسسات الدولة وتنفيذ القانون، بالاضافة الى المهام الاخرى الملقاة على عاتقه كمواطن يشعر "بالامان" والاطمأنان على كيانه الشخصي والفكري، حيث يتجسد هذا الدور بشكل أساسي في الالتزام بالتشريعات ورصد المخالفات القانونية، مثل تعاطي الرشا و الضرر المتعمد بممتلكات الدولة وعدم تطبيق النظام أوالاساءة اليه ... وكما يفعل المواطن الياباني على سبيل المثال حين يرى أحداً يرمي اعقاب السيكارة في الأرض بدلاً من أن يضعها في حاوية القمامة المخصصة لهذا الغرض ... حيث يروي أحد الاصدقاء بأنه كان ذات مرة يسير في شوارع طوكيو عاصمة اليابان، فقام بالقاء عقب السيكارة في الارض بعد أن تأكد له خلو المكان من المارة، واذا به يرى امرأة مسنة تنظر اليه عن بعد بإزدراء شديد، وحينها تمنى لو أن الارض انشقت وابلعته في تلك اللحظة خير من أن يرى تلك النظرات الثاقبة المعبرة ... وفي حادثة اخرى في اليابان ايضاً يروي احد الزملاء قائلاً: حين تعرضت اليابان للهزات الارضية، والتي ادت الى تدمير الكثير من المحطات النووية لتوليد الطاقة الكهربائية، دعت الحكومة اليابانية مواطنيها الى الترشيد في استهلاك الطاقة، وعملت برمجة لقطع التيار الكهربائي عن عدد من المدن والاحياء السكنية لعدة ساعة في الليل، فالتزم الجميع بهذه التعليمات التزاما منقطع النظير، رغم ان الكهرباء كانت كافية وليس هناك ربما حاجة الى الترشيد، وحين سألنا اليابانيين عن سر التزامهم بهذه التعليمات، قالوا بأنهم مستعدون أن يموتوا في تلك الليالي لكي تحيا اليابان في صباح اليوم التالي ... وهكذا حين تحصل حادثة اصطدام في تقاطع احدى الشوارع القريبة من الاحياء السكنية في برلين، ويصل رجل المرور ليكتب تقريره عن الحادث، فتأتي امرأة مسنة تسكن في الطابق العلوي لتوري له كيف حصل الاصطدام حين كانت تنظر وهي جالسة في شرفة الشقة المطلة على مكان الحادث، فيأخذ الشرطي باقوال تلك المرأة، التي دفعها الشعور بالمسؤلية تجاه المحافظة على النظام في وطنها.                   

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed