طباعة

رمضان: ملاذ الأرواح

Posted in الثقافة

ramadan-helalالمادية سمة من سمات العصر، هذا العصر الذي يغمر أهله بشهوات وشبهات بعضها فوق بعض، وحيث يباع كل شيء، ويشترى: الجمال تتكفل به مباضع الجراحين، وأشعة الليزر، ووصفات التنحيف الغالية.

الانتقال لابد له من مركبة مكيفة الهواء تحميك من البرد أو تحتضنك في الحر لترتاح وتشعر بالرفاهية.

 

والبيع والشراء له معابد ومساحات أصبحت تفوق الحدائق والملاعب فخامة وازدحاماً. والروح أصبحت محاصرة بالأجهزة الإلكترونية والمفروشات والأشياء... لقد أصبحنا نعيش في حضارة الأشياء بحق.

ويسألونك عن الرومانسية!! ستجدها وقد تحولت إلى هدايا مستوردة أو لغة رقمية محوسبة تنتقل عبر جهاز أو من جهاز إلى جهاز!!
ويسألونك عن الخصوصية!! وستجدها قد صارت صندوق بريد إلكتروني "خاص"، أو مساحة استجمام مقتطعة من الطبيعة يحوطها سور يحميها من فضول العامة لتستلقي هناك مغمضا عينيك لتستمتع وتستجم.
ويسألونك عن الروح! فابحث عنها.. ربما وجدتها تحاول البقاء وسط غابة من الظروف غير المواتية، وهي تهرب.. تصرخ من أثقال غربة وضعها حولها صاحبها أو حاملها، ثم عاد يشكو الوحدة أو الملل!!

هو أو هي.. أسلم أو أسلمت الروح للأجهزة والأشياء بحيث لا نعرف من الذي يستخدم ماذا؟ أيهما يستهلك الآخر؟!!
ثم عدنا نتساءل: أين الإنسانية؟! أين الروح؟! أين الرومانسية؟!

ويأتي رمضان..
وسط هذه المتاهة يلوح من العام للعام شهر كامل مخصص للأرواح والنفوس لتغتسل وتتخفف من أثقال المادة بأنواعها، ونقابله نحن على طريقتنا مدججين بالأشياء: أطعمة ورفاهية وأجهزة وبرامج إلكترونية خاصة!!

ونحن من فرط السذاجة نعتقده امتناعا عن الطعام والشراب المباح، واللغو المرفوض.. نصف اليوم أو يزيد، ولا نلتفت أن جوهر رمضان هو الانحياز للروح على حساب المادة، والطعام والجنس مجرد رمزين لأنشطة تستهلك أشياء فيها من المادة أكثر مما فيها من نصيب للروح.

وهي ليست أنشطة مذمومة أو محرمة في ذاتها، ولكن الصيام يأتي ليجعلها هامشا على متن الروح، وليفسح بالفريضة والوجوب مكانا ومساحة لهذه الروح التي تكاد تختنق طوال العام، وفي كل نشاط!!يحتفي رمضان بتلك اليتيمة المعذبة في عصر الأشياء والشهوات، ونحتفي نحن به بمضاعفة الأشياء والشهوات.
ليس المقصود من رمضان تغيير مواعيد وعادات بقدر ما المقصود هو تغيير نمط التعامل مع الأشياء، أن نعود نحن إلى مقعد التحكم والسيطرة والاستخدام، فهي تكون هناك في النهار طعاماً وجنساً وغير ذلك تملأ الآفاق كعادتها بمواد ومفردات وسلع مغرية لامعة براقة، لكنها متروكة راكدة، فإذا جاء الليل كان المقصود أن نغترف من الماء غرفة بأيدينا تسد الرمق وتعين على المواصلة، لا أن ننطلق كالبعير من عقاله نعب الماء، ونعود إلى سيرتنا الأولى في علاقتنا بالأشياء والشهوات.

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed