المقالات

طباعة

المعايشة التربوية

Posted in الثقافة


ففي قصة أصحاب الأخدود تروي لنا الأحاديث أن : الغلام كان يبرئ الأكمه والأبرص ، ويداوي الناس من سائر الأدواء ، حتى ذاع صيته ، وانتشر خبره ؛ فأقبل الناس عليه أفواجاً ، واستطاع بمعايشته الناس ، والقرب منهم أن يكوِّن رصيداً مباركاً من حب الناس له والإقبال عليه ، لقد قدم لهم وقته ، وجهده ، وما أعطاه الله من موهبة وطاقة ، وقدموا المهج من أجل الدين الذي أتى به اعتقاداً واستمساكاً . فينبغي للمربي أن يوجه ويذلل طاقاته ، وقدراته التي يمتلكها في سبيل الله ، وأن تكون مفتاحاً لمعايشة الناس ، ودعوتهم بعد ذلك .

ولقد كان لهذه الخاصية ( المعايشة ) أثر بارز في تفاعل الناس مع الرسول- صلى الله عليه وسلم- ، وإقبالهم عليه ، وتقبلهم منه ، ورغبتهم في العلم والعمل الذي يوجههم إليه عن قناعة ومحبة ، وكان التلاميذ مندمجين بشخصيته- صلى الله عليه وسلم- أيما اندماج ، دونما تبذُّل أو تكلُّف ، مما جعل الناتج التربوي أصيلاً وعميقاً من جهة ، وواسعاً ومنتشراً من جهة أخرى .

« وقد تناول الباحثون في مجال علم النفس وفي مجال العلاقات الاجتماعية هذه الخاصية بالدراسة ، وافترضوا أن لها علاقةً ما بمدى إقبال المتعلم أو المتلقي على الأستاذ ؛ ليأخذ منه ، أو يسأله ، أو يقيم علاقة شخصية معه تتجاوز الاستفادة الوظيفية في المجال الأكاديمي إلى الاستشارة الشخصية والاجتماعية . وكان من بين الافتراضات التي توقعها بعض الباحثين ، وكانت صحيحة أن : المعايشة ، وقرب المربي ، وإظهاره لهذا القرب بتوفير الساعات المكتبية يمكن أن يكون متغيراً مهماً يقع بين عزيمة المسترشد على الذهاب للمربي واستشارته ، وبين حدوث الاسترشاد فعلاً ، ومن ثَمَّ يكون ظهور المربي قريباً منهم مكاناً ووقتاً وشخصاً عاملاً مهماً في التفاعل والتأثير والإقبال ، وهذا أيضاً ما أيدته بعض الأبحاث الأخرى ، فقد وجد « ولسن وودز » أن هناك علاقة مؤثرة بين توفر الأستاذ أو المربي في ساعات معينة ، وظهوره بمظهر المستعد لاستقبال المتعلمين ، وقضاء وقت معهم ، وبين إقبال هؤلاء المتعلمين عليه واستعانتهم به ، وعرض مشكلاتهم عليه ؛ وعلى هذا الأساس كانت الأبحاث النفسية التربوية توصي كثيراً بتوفير الوقت وتنظيمه وتحديده للمسترشدين ، وأن يواكب هذا استعداد شخصي ونفسي من المربي والمرشد ؛ لاستقبالهم والتعامل معهم ، مهما صعبت الظروف وتنوعت » [18] .

6- مساوئ كثرة المعايشة : هل لكثرة المعايشة سلبيات ومساوئ ؟نعم ! إن الشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده ، والمعايشة ما لم تخضع لما يضبطها فإنها تصبح نقمة بعد ذلك .

وإليكم بعض هذه المساوئ :

1- إلْفُ المتربين للمربي ، وإسقاط الكلفة بينهم وبينه ؛ قد تؤدي إلى استنفاد المتربين لما عند المربي من طاقة روحية وذخيرة تربوية،خاصة إذا وافق ذلك تفريط من المربي في تربية نفسه.

2- ربما يتحولون من مرحلة التأثر إلى مرحلة النقد .

3- سقوط قضية التوجيه والتربية من يد المربي ، فلا تكن بعد ذلك استجابة من قِبَل المتربين .

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed