المقالات

طباعة

هذه الثقافة السائدة

Posted in الثقافة


إن الوضع المأسوي الذي تمر به المجتمعات العربية اليوم والمحنة التي تسم الثقافة العربية والمثقف العربي، إنما يعكسان العجز والنكوص والإحباط وما يمكن تسميته «الردة الحضارية» التي توشك ان تعيد المجتمع الى ما قبل عصر النهضة العربية. فمن المثير للحزن والأسى والإحباط أن تجد بعض المثقفين العرب يندفع للتهليل مع من ينفي المحرقة النازية لليهود أو يصرخ دفاعاً عن طاغية تفنن في إبادة شعبه وهدم بنيته التحتية ومزق نسيجه الاجتماعي والثقافي والأخلاقي. فهل يمكن لمثقف متنور أن ينكر الجرائم الإنسانية والمقابر الجماعية؟

والحال، أن ما يعترض المثقف اليوم هو أولاً غياب الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية، وثانياً استبداد النظم الشمولية التي وقفت حاجزاً أمام تطور دولة القانون والمجتمع المدني، وثالثاً النزعة الأبوية البطريركية المهيمنة على المجتمع والثقافة وما ينتج عنها من ثقافة تغالبية قمعية، وأخيراً اللغة، فعلى رغم غناها وجمالها بقيت لغة شعر وخطابة وبلاغة، إضافة الى هاجس خوف مركب يستولي على المثقف من الذات ومن الآخر، وحتى من الحرية نفسها، كل ذلك، صنع عملية تغبية وغسل دماغ تعيق التحرر. وليس أمام المثقف من خيارات، سوى أن يكون تابعاً، أو أن يهرب الى الرموز والإشارات والتأويلات لإيصال صوته واسماع صرخته التي بالكاد يرجع صداها إلى من أغلق آذانه بالشمع الأحمر.

في مثل هذا المناخ الثقافي المحمل بالتقليد والاستبداد والتسطح تختفي التلقائية وروح النقد والتغيير والإبداع والتسامي وتحل محلها روح التقليد والمحاكات والتزلف والخضوع، ويتحول النشاط الثقافي الى مؤسسة ثقافية لخدمة السلطة، وأهدافها القريبة والبعيدة من طريق تنميط الثقافة وتشكيلها وفق مقاييسها وايديولوجيتها، ولتقود في الاخير الى نفي المثقف وإلغاء دوره التنويري الطليعي وتحويله إلى مجرد واجهة سياسية. هكذا يتحول الى أداة من أدوات السلطة، ان لم يتحول في بعض الأحيان، إلى سلطة موازية لسلطة الدولة وأيديولوجيتها ويفقد بذلك وظيفته التنويرية وكذلك رسالته النقدية. وبذلك يصبح المثقف مهمشاً وملحقاً تابعاً لجهاز الدولة ويعمل بعكس ما يراد منه أو ينبغي أن يكون أو يريد وعيه النقدي المطلوب، ليصبح مثقفاً «تقنياً وأدواتياً» بحسب تعبير الفيلسوف وعالم الاجتماع الألماني تيودور أدورنو



المصدر:من صحيفة الحياة

www.alhayat.com/culture/02-2007/Item-20070219-db14ed78-c0a8-10ed-00ed-d9deb4b03dd1/story.
FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed