البوابة
أزمة منتصف العمر عند الرجل
أما الدكتور فاضل وهو أستاذ جامعي متميز في أحد فروع الطب الدقيقة فقد بدا عليه في الفترة الأخيرة أنه مهموم بشيء ما ، وأنه شارد وسرحان معظم الوقت ، ولم يعد حماسه للعمل كما كان ، ودائماً يردد كلمات توحي بعدم جدوى ما يفعله . وحين يجلس مع أصدقائه المقربين كان يسفه من نجاحاته ، ويتحدث كثيراً عن أخطائه في صباه وشبابه ويتساءل عن معنى وجوده ، بل وعن معنى وجود الحياة ذاتها ، وينظر بحيرة وتشكك حين يكلمه أحد عن المستقبل العلمي الذي ينتظره بناءاً على جهوده العلمية السابقة وقد نصحه أحد أصدقائه بزيارة طبيب نفسي ففعل ، ولكن الطبيب قرر أنه غير مريض ولكنه يقف في مفترق طرق ولديه العديد من التساؤلات الوجودية الملحة عن معنى وجوده وعن قيمة نجاحه وعن ماضيه وما حدث فيه وعن مستقبله وما ينتظره ، باختصار هو يقف عند هذا المفترق ويجري عملية جرد للماضي والحاضر والمستقبل ، ولا يجد معنى في كل هذا ، وقد أصبح يميل إلى العزلة ، ويزهد فيما كان يصبو إليه من قبل .
أما الأستاذ صلاح فقد كان معروفاً عنه ولعه بكل متع الحياة وبهجتها ، ولم يكن يرى إلا ضاحكاً مازحاً . وكانت له شقاوات كثيرة يعرفها عنه زملاؤه والمقربين منه ، وفجأة بدأ يتغير فأطلق لحيته وأصبح يحرص على الصلاة في أوقاتها وذهب لأداء العمرة في شهر رمضان وعاد وقد بدت عليه آثار الروحانية الصافية الجميلة ، وأصبح مشغولاً بالكثير من الأنشطة الخيرية في مسجد الحي وفي العمل وفي بعض الجمعيات الخيرية ، وظهرت على وجهه علامات الرضى والسكينة والإيمان .
أما الأستاذ جميل وهو صحفي معروف فقد لوحظ عليه انكبابه الشديد على العمل في الشهور الأخيرة بلا مبرر واضح ، فهو يقضي النهار كله وجزء كبير من الليل في مقر الصحيفة ، وأصدر أكثر من كتاب في هذه الفترة القصيرة ، ولديه العديد من مشروعات التطوير الصحفية ، وهو يتحدث بسرعة كأنه في عجلة من أمره وكأنه يسابق الزمن ، وشكت زوجته من إهماله لها وتحول مشاعره عنها وحتى عن الأولاد ، وكأنه نسي أن له أسرة . وأيضاً لم يعد يحضر اللقاء اليومي لأصدقائه على إحدى مقاهي وسط البلد كما اعتاد منذ سنوات . وما أن أكمل عامه الأول بعد هذا التغير حتى أصيب بحالة من الاكتئاب تبعها ذبحة في القلب .
كانت هذه صور مختلفة لأزمة منتصف العمر عند الرجل ، وكيف يتعامل معها بأشكال مختلفة تتناسب مع طبيعة شخصيته والظروف المحيطة به .
وأزمة منتصف العمر ليست في حد ذاتها مرضاً ، ولكن مضاعفاتها يمكن أن تكون مرضاً كالقلق والاكتئاب والأعرض النفسجسمية .