الإثنين, 19 تشرين2/نوفمبر 2012 21:38

أمة الرسالة

كتبه  د رمضان خميس الغريب
قييم هذا الموضوع
(0 أصوات)

يحسبُ كثيرٌ من المسلمين أن عاشوراء يومٌ صامه النبي صلى الله عليه وسلم موافقةً لليهود لما دخل المدينة فوجدهم يصومونه، وعلم أنهم يعظمونه لنجاة موسى فيه، فصامه لصومهم... وليس هذا صحيحاً. نعم سألهم النبي صلى الله عليه وسلم كما في الأحاديث، فقد روى البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَا (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَهُمْ يَصُومُونَ يَوْمًا يَعْنِي عَاشُورَاءَ فَقَالُوا هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ وَهُوَ يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ فَصَامَ مُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ فَقَالَ أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِه).

 لكن عاشوراء لم يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم صومه بالمدينة، ولا وافق فيه اليهود، وإنما صامه في مكة قبل هجرته، وكان يوماً تعرفه قريش في الجاهلية، وتعظمه، وتكسو فيه الكعبة.
وأمر الرسولُ صلى الله عليه وسلم  المسلمين بصيامِه قبل أن يُفْرَضَ عليهم صومُ رمضان، فلما فُرِضَ عليهم، جعل الأمر خِيَرة، من شاء صام ومن لم يشأ لم يصم. ففي الصحيح: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَ: (كَانَ عَاشُورَاءُ يَصُومُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ قَالَ مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَصُمْهُ )[1]
قالت عَائِشَةُ رَضِي اللَّه عَنْهَا (كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُهُ فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَكَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ)[2] وفي صحيح البخاري[3] أيضاً، ومسند أحمد (قَالَتْ عائشة كَانُوا يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ رَمَضَانُ وَكَانَ يَوْمٌ فِيهِ تُسْتَرُ الْكَعْبَةُ)[4]
ومعلوم أن العرب ورثوا عن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام شيئاً من العلوم والمناسك. فهو مما تلقوه من الشرع السالف[5]. قال القرطبي: (لَعلَ قُريْشاً كانوا يَسْتَنِدُون في صومِه إلى شرعِ من مضى كإبراهيم) ا.هـ.  وليس الأمر في حاجة إلى "لعل" فصوم النبي صلى الله عليه وسلم له دليل ذلك، وحسبك به.
ولما دخل الرسولُ صلى الله عليه وسلم المدينةَ وجد اليهود يصومونه، وزعموا أنه يوم نجى الله فيه موسى، فلم يدع النبي صومَه لصومِهم، وإنما قال: (أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى). أي أنه مقيم على صومه ولو كانت يهود تصومه.  و(ليس في هذا الخبر أنه ابتدأ الأمر بصيامه)، كما قال القاضي عياض (بل في حديثِ عائشةَ التصريحُ بأنه كان يصومُه قبلَ ذلك، فغاية ما في القصة أنه لم يحدث له بقول اليهود تجديد حكم، وإنما هي صفة حال وجواب سؤال)[6]
 ثم عزم على صوم يوم آخر معه –وهو التاسع- مخالفة لهم. والأولى لو أراد النبي مخالفتهم أن يترك صومه بالكلية لو كان ابتداء الصوم منهم، ولم يكن له في شرعه أثر ولا أصل. 

أيها الدعاة المسلمون:
 عجيب منكم أن ترددوا ما يردده الناس، وتكفيكم الرواية دون الدراية، والقراءة دون الدراسة، وأنتم الدعاة! أيصح في الأفهام أنه لا ينبغي لموسى لو كان حياً إلا أن يتبع محمداً صلى الله عليه وسلم، ثم يقال أن النبي صلى الله عليه وسلم تابع أحباراً يهوداً حرفوا دينهم وبدلوه في صيام يوم هو من الدين؟ كلا ..كلا.. لا يستقيم، وما ينبغي لكم قوله. أتقولونه! ونبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تَسْأَلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ فَإِنَّهُمْ لَنْ يَهْدُوكُمْ وَقَدْ ضَلُّوا فَإِنَّكُمْ إِمَّا أَنْ تُصَدِّقُوا بِبَاطِلٍ أَوْ تُكَذِّبُوا بِحَقٍّ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مَا حَلَّ لَهُ إلا أَنْ يَتَّبِعَنِي )[7]
نعم نحن أولى بموسى منهم. إن دعوة موسى والنبي عليهما السلام واحدة، أما يهود فليس لهم في موسى نصيب. لقد أزاغ الله قلوبهم لما زاغوا، وباءوا بغضب على غضب.

أيها المسلمون: أنتم أصحابُ الرسالةِ، والناسُ لكم تبع. دينُكم ظاهرٌ على الدين كله ولو كره المشركون، وإسلامكم لا يرضى الله ممن ابتغ سواه ديناً، وكتابكم مهيمن على الكتاب كله... فكيف يقال أن صومكم اليوم عاشوراء كان اتباعاً لسنة اليهود؟ ألا ما أسعدَ يهودَ بهذا القول.
لقد أسرى بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى، وصلى بالأنبياء إماماً، وآلت إليه دعوة الرسل، وورثتها أمته، وكانوا أحق بها وأهلها. وكان لزاماً أن يُهْدَمْ هيكل بني إسرائيل، وقدره الله قبل أن تأتي أمة النبي صلى الله عليه وسلم، إيذاناً بانتهاء عهدهم، والرسالة التي حُمِّلُوها فلم يحفظوها. لقد ورث المسلمون رسالة الأنبياء، وحملوا دعوتهم، وبنوا المسجد الأقصى في الأرض التي ورثوها منهم، ليسقط الهيكل، ويرتفع المسجد.

أيها المسلمون: ليس المسجد الأقصى جَصَّاً وحجارة، وإنما شعاركم حاملي الرسالة.  إن القدس ليست أرضاً، ولا الأقصى مسجداً إنْ هُدِمَ استُبدِلَ به غيُره..كلا..إنه دينٌ إن ضاع، ضاع بضياعه رمز الرسالة.
كتب ملك إنكلترا إلى صلاح الدين الأيوبي يرحمه الله (القدس متعبدنا، ما ننـزل عنه ولو لم يبق منا واحد). فأجاب صلاح الدين رحمه الله: (ليس لكم من القدس حديث إلا الزيارة..القدس لنا مسرى ينبينا فلا يتصور أن ننـزل عنه ولا نقدر على التلفظ بذلك بين المسلمين) رحم الله صلاح الدين وكل أبطال الإسلام من الذين سبقوا، والذين اتبعوهم بجهاد ونصر إلى يوم الدين.  
 

------------------------------
1 رواه البخاري ج4- كتاب الصوم-باب صيام عاشوراء.
2 رواه البخاري ومسلم ومالك.
3 كتاب الحج.
4 وفي "المعجم الكبير" للطبراني عن زيد بن ثابت أنه يوم كانت تستر قريش فيه الكعبة.
5 ابن حجر: فتح الباري ج4 كتاب الصوم- باب صيام عاشوراء.
6 نقلاً من المصدر السابق.
7 مسند الإمام أحمد.

 

المصدر : www.saaid.net

إقرأ 8275 مرات آخر تعديل على الإثنين, 01 شباط/فبراير 2016 23:04
FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed