المقالات

طباعة

سوء التمثيل الإسلامي في الغرب

Posted in الثقافة


ما هي يا ترى تلكم الأمور الخفية؟ وكيف يمكن لهذا الغرب الذي صرف دهورا متتالية في بناء صرح حضارته، أن تمسخه تلك الأمور وتنال من صلفه وكبريائه؟ وكيف نزن هذه الأمور بميزان قد لا يناسب شكل ومحتوى هذه الموزونات نحن المبهورين بمكتسبات ومخترعات الغرب منذ الوهلة الأولى؟ ألسنا نعيش في عمق التناقض مع ذواتنا وأفكارنا؛ فتارة نتماهى مع الآخر، وتارة أخرى نجعله مرمى لألسنتنا اللاذعة فنصوب إليه هجاءنا أو شتائمنا لما نريد البكاء على أطلالنا أو حظنا أو هزائمنا الميدانية أو إحباطاتنا النفسية؟

هذه التساؤلات وغيرها ذات الطابع الوجودي والمنحى المصيري تحيل بشكل أو بآخر على ما هو حضاري في سياق جدلي متداخل ومتعدي؛ فالأمور التي تبدو واقعية ويومية روتينية تساهم في بناء ما هو ثقافي وتشكيل قسمات كل حضارة إنسانية في زمان ومكان معينين. فإذا كانت ثلة من رجال الفكر تعتقد أن العد العكسي للحضارة الغربية قد بدأ، فإن الإنسان العادي الذي يقارن بين ما وصل إليه الغرب الذي هاجر إليه، وبين ما يتخبط فيه وطنه من تقهقر وتخلف ومشاكل، يرى أن رأي المفكرين مجرد هراء في هراء، لأنه لا يؤمن إلا بالملموس والمشاهد، أما ما تشير إليه التنبؤات والاستقراءات فهو من باب الأحلام وأضغاثها. ليس هذا هو حال الإنسان العادي فقط، لكنه أيضا هو حال الحاكمين والأجهزة المسيرة لأغلب دول الجنوب؛ فهذه نتيجة منطقية تعبر عن درجة وعي المجتمع برمته حيث الحاكم حصيلة لأداء واختيار المجتمع ومكوناته البشرية والمؤسسية.

هكذا نجد أنفسنا أمام ثنائية ضدية؛ نقبل الذهاب إلى الغرب وننفر من أفكاره، نحلم بثرواته ومادياته ونرفض سلوكاته وقيمه، نتسول عبر أرجاء عواصمه ونتلقى عطاياه وهباته وفي نفس الوقت نتحداه بالقيل والقال والشعارات ولا نعترف بالجميل، إننا حقا أمام ازدواجية عويصة في أفكارنا وتصرفاتنا، تجعل منا مخلوقاً ذا وجهين أو شخصيتين: ترانا ألسنا بدأنا نخرق الشرعة التي وضعها وسنها لنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم فنعامل الآخر على أساس من البغض والشحناء، فنسئ ليس لذلك الآخر وإنما لأنفسنا وهويتنا وديننا الذي يصير في أعين الآخرين مجرد أداة عنف واستغلال وما إلى ذلك؟ ألسنا بدأنا ندخل في دائرة النفاق الذي نهانا عنه الإسلام فنعامل غير المسلم بحقارة وحطة ونحن نعيش من ماله ومساعداته بل وفي دياره؟ ألم نقبل بالقوانين الغربية عندما قبلنا الاستقرار عنده والتجنس بجنسيته، والآن نربي أجيالنا على بغض هذا المضيف الذي فتح لنا باب دولته وأكرمنا وأحسن ضيافتنا؟ ألم نتعلم بعد التعامل بسماحة الإسلام وتسامح نبيه صلى الله عليه وسلم، حتى نتمكن من إيصال الجانب السمح من الإسلام، كما فعل التجار المسلمون الأوائل الذين تمكنوا بسماحة الإسلام وقيمه النبيلة من أن يجذبوا إلى الإسلام أقواما عديدة ما زالت تتوارث الإسلام وتذود عنه وتحفظ حماه خصوصا بأرخبيل إندونيسيا وما جاورها؟
FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed