المقالات

طباعة

غريزة التلصص

Posted in المجتمع

ويلحق بحب المعرفة شيئا ذا علاقة وهو حب التطلع Scopophilia  والتطلع هنا يتحصل بواسطة النظر , بمعنى أن الإنسان لديه الرغبة في الرؤية (الفرجة) على الناس والأشياء والأحداث . وهاتان الرغبتان : حب المعرفة وحب التطلع تكونان متضخمتان لدى العاملين في الصحافة والإعلام عموما إذ يكون لديهم رغبة جارفة في معرفة الأسرار وتحقيق السبق بنشرها , ويمكن أن نسميها "شراهة الرؤية والمعرفة وشراهة النشر" لذلك يقعون في مشكلات كثيرة حين تطغى هذه الشراهة على ضوابطهم المهنية وعلى الضوابط الإجتماعية السائدة . ولهذا استدعى الأمر وضع ضوابط أخلاقية لمهنة الإعلام ووضع روادع قانونية للنشر إذا تجاوز الخطوط الحمراء المتعارف عليها في المجتمع .

ويربط علماء النفس التحليليون الرغبة في المعرفة والرغبة في الرؤية بالرغبة الجنسية , فهم يرون أن الطفل في المرحلة الفمية يستمتع استمتاعا غريزيا فميا وهو يتعرف على البيئة من حوله بواسطة فمه , فكل شئ يصادفه يضعه في فمه ليتعرف عليه , ثم ينتقل الإنسان في سن الثالثة إلى الخامسة إلى المرحلة لقضيبية وفيها تشتد رغبته في التعرف والتقرب إلى الوالدين (الجنسين) والتعرف على أعضائه وأعضائهم الجنسية وما يتصل بها , ومن هنا تبدأ بذور الرغبة الشديدة في المعرفة , وإذا وجد الطفل أن بعض الأشياء محظورة يبدأ في التلصص لمعرفتها سرا ومن هنا تبدأ غريزة التلصص في النمو والإذدهار , وتصل عند بعض الناس إلى درجة التضخم أو التوحش .

تليفزيون الواقع والإشباع المقنن لغريزة التلصص :

وقد نشأت فكرة تليفزيون الواقع في الغرب وسرعان ما اقتبسناها (مثل أغلب البرامج عندنا) وعربناها ولاقت أيضا رواجا لدينا ونجاحا هائلا , فكيف نفسر نجاحها في الغرب ونجاحها أيضا في الشرق ؟ , ومن هذه البرامج : "ستار أكاديمي" , "الهوا سوا" و"سوبر ستار".

ويبدو أنهم في الغرب قد وصلوا إلى أبعد مدى في الفردية والإستقلال وانشغال كل شخص بنفسه واحتياجاته وعدم السماح بالتدخل في شئون الآخرين , وهنا ألحت مرة أخرى غريزة التلصص على الحياة الخاصة لآخرين , فصنعوا – كعادتهم – برامج تهئ إشباع هذه الغريزة بشكل مقنن من خلال متطوعين يقبلون تصويرهم أثناء ممارستهم لحياتهم اليومية بكل تفاصيلها , والناس يستمتعون بذلك بلا حرج وبلا مشاكل قانونية , والمتطوعون يتقاضون أموالا مقابل إمتاعهم للمتلصصين .

أما العرب فلديهم في الأصل رغبة عارمة في معرفة خبايا حياة الآخرين مع رغبة تالية أو موازية للتدخل في شئونهم الخاصة , فالآخر لدينا مستباح , ولنا عليه وصاية ربما نعطيها تسميات مقبولة مثل "الإهتمام" أو "الرعاية" أو "التكافل" أو "التناصح" , ونحن في الحقيقة لا نبغي كل هذا ولكن نسعى إلى تلبية احتياجات شخصية لدينا .

الدوافع النفسية للتلصص :

1 – الإستمتاع بالمشاهدة : كما نستمتع بمشاهدة أحداث فيلم أو مسلسل مثير , ويكمن وراءها غريزة حب الإستطلاع والفضول

2 – الإستمتاع بالتأليف والتوليف : فالمتلصص لا يرى الحقيقة كاملة وإنما يرى أجزاءا منها , فيقوم هو بإكمال الحلقات المفقودة من عنده , وهنا يمارس هواية القص والحكي والتأليف , فينتج نصا حسب هواه هو لكي يستمتع به

3 – الظهور بمظهر العليم ببواطن الأمور , وأسرار البشر , وهو ما نطلق عليه "أبو العريف"

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed