المقالات

طباعة

المعذرة يا أمي

Posted in الثقافة

mum_hugs_babyالمعذرة يا أمي أن لبستُ ثوب الركب الذي شرّع يوماً عيداً للأم. واختزل تكريم هذه الدُرّة الثمينة بزيارة خاطفة وبباقة ورد أو هدية صغُرت قيمتها أو كبرت. وجسّد صورة باهتة لعظمة هذه الأم التي أجلّ الله شأنها وعظّمه بذكرٍ لها في كتابه العزيز في أكثر من سورة أوصى بامتداد حُسن رعايتها والاعتراف العظيم بالمشقة التي لقيتها من أجل وجودنا كما جاء في سورة لقمان (ووصّينا الإنسان بوالديه، حملته أمّه وهناً على وهن،
وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إليّ المصير). وتوالت التوصيات بالإحسان إليها والاعتراف بعلوّ شأنها في سُنّة رسولنا العظيم. ألم يقل فيها أن (الجنّة تحت أقدام الأمهات)، وبعد كل هذا التسامي بحقها أليس من العقوق أن نلحق بهذا الركب ونُهرول معهم وسط هذه الزحمة لنحتفل بطريقتهم المبتورة باستقبال يوم واحد من عامٍ طويل، نُكرّم فيه تلك الإنسانة الطيبة التي أفنت زهرة شبابها ومساحة عمرها من أجل سعادة أبنائها وهنائهم. وضحّت بكل غالٍ ورخيص لتجعل منهم القدوة في العلم والخلق والانتماء والتضحية وبعد رحلة الشقاء الطويلة والعناء المضني نكافئها بيوم سجل رقماً عادياً متواضعاً في رزنامة الأيام، جنباً إلى جنب مع كثرة الاحتفالات الأخرى التي تمتد على رُقعة العام الطويل. يوم عالمي للمرأة، ويوم لعيد الحب (الفالنتين) ويوم للعمال، ويوم للشجرة. وأسبوع للسيارة سُمّي أسبوع المرور، وأيام أخرى طويلة وكثيرة حملت مسمّيات مختلفة. ووسط هذا التزاحم التقطنا يوماً سُمّي باسمك. إن هذا والله ما يؤلمني وأطأطئ رأسي خجلاً من نكران جميل عطائك ومع هذا التقصير أشكر الله وأحمده أن منحك هذه النعمة ليومٍ واحد في زمن التردي عصر الكراهية والجحود.

أمّاه أرجو أن تغفري لي إن أخطأت وسرت مع هذا الركب وتخاذلت يوماً عن أداء حقك فيما تستحقين. وتقاعست عن القيام بكل قناعاتي تجاهك، رغم تعلّقي العظيم بحبك واحترامك. إلا أنني لا أخفي سراً عليك بأنك لم تعودي تسكني قلبي وتتربّعي داخل نفسي وحدك، فهناك بين أضلعي يا أماه يعيش بنين وحفده، أصبح رضاهم غاية حقيقية لا منازع عليها تزامناً مع رضاك. وأحياناً يغلب هواهم ويسابق هواك. فاعذريني إن قلت هذه سُنّة الحياة، ألم تكوني لنا كما أنا الآن لهم. لذا سامحيني على صراحتي، فأنا أعلم جيداً طِيب قلبك وعظمة تسامحك وتفهّمك واقع الحال الذي كثرت فيه أيامي وزادت انشغالاتي بهم، وبت أسابق الزمن لأحقق رغباتهم، وكثيراً ما أجد نفسي مربوطة المعصم لإرضائهم جميعاً في آن واحد، لكنني في النهاية أجدها فرصاً حلوة جميلة تشعرني بالراحة لأنهم فرحتي وسعادتي كما نحن فرحتك وسعادتك، ولكنهم بالمقابل أضعفوا ذاكرتي فلم أعد قادرة على تذكر لقائك اليومي لأتحسس دفء قبلاتك وأمان حجرك. والله إنني لأفتقد هذا كله، وأُمنّي النفس أن أعيش هذه اللحظات الشاردة كل يوم أتلمّس عِظم دعواتك مع طلوع كل شمس وغروبها. لكن .! ضاقت بي الأيام ولم يعد لدي متّسع من الوقت حتى لأرتشف فنجان القهوة الصباحي من يديك الطاهرتين مغموساً بالحنوّ ومصحوباً ببركاتك الطيّبة.


معذرة يا أمي فهذه هي الدنيا ضاقت رغم رحابتها وجلدتنا بكثرة فرضياتها ومتطلباتها. فتُهنا في خِضمّها وغًصنا طويلاً في أحداثها، حلوها ومُرّها. ورغم هذا كلّه بقيتِ أنتِ الأيقونة الثمينة التي تربّعت عرشاً عالياً في وُجداني وفؤادي. فكيف لي أن أنساك أيتها الحبيبة الغالية، فأنا الآن أعيش لحظةً مريرة أحرقت ذاتي خجلاً من تقصيري، فلم أعد قادرة على التعبير الصادق بحقك، كما عجزت كل معاجم اللغات وكل ما قِيل بين سطور الكتب جميعها أن تجود بشرف ارتقائك. لذا، أختزل لأقف بإجلال، أقدّم لك أيها النبع العتيق المُعتّق الذي ارتشفت منه حد الارتواء. خالص حبّي ووفائي الأبدي، وإلى أعوام مديدة ملأى بالصحة والعافية والعطاء.
المصدر : www.kidworldmag.com