الأربعاء, 02 أيار 2012 12:00

مستقبل القصة القصيرة إلى أين؟!

كتبه  د. حسين المناصرة
قييم هذا الموضوع
(0 أصوات)
short-storyمقالة ألقيت في أمسيّة القصة القصيرة بمثابة بيان ثقافي، في يوم القصة القصيرة العالمي14/2/2012،بنادي الرياض الأدبي (أقيمت الأمسية مشاركة بين وحدة أبحاث السرديات بجامعة الملك سعود وجماعة السرد بنادي الرياض الأدبي ).
في ظلّ تحولات اجتماعية وثقافية وتواصلية عديدةمتوقعة مستقبلاً، يصعب أي حديث عن مستقبل فن القصة القصيرة أو غيرها، على الرغم من وجود آراء كثيرة متشائمة تجاه مستقبل هذا الفن!!
تعدّ القصة القصيرة فناً شعبياً، ولد في أحضان الحكايات الشعبية، والمقامات المسجوعة، والخرافات والأساطير، والأخبار والنوادر، والقصّ الديني والوعظيات، وقصص الأمثال والطرائف، وغيرها… ما يؤكد كونها نصاً أصيلاً ومتجدداً، ومن الطبيعي أن يهجرها  بعض كتابها في زمن ما في حياتهم، عندما ينضب عطاؤهم في إبداعها.
هي فن الأزمنة والأمكنة الشعبية كلها، لأنها فن اللغة العادية المألوفة والنثريات المعيشية اليومية…وأيضاً هي فن التحديث والتجريب والمغامرة… لكنها فن لم يحظ باهتمام النقد والنقاد…كأنها في هذا السياق فن مهمش، ربما لأنها عاشت في وادٍ بين خطابين ضخمين في الثقافة والإبداع: أحدهما الشعر، والآخر الرواية؛ فكانت هذه القصة القصيرة دومًا تزهو بسردية الرواية من جهة وبشعرية الشعر من جهة أخرى، مع كونها أمّ الرواية لا ابنتها أو أختها، وأنّها تمتح  أو تستقي من حوض إيقاع الشعر وكثافة لغته التصويرية.
من هنا، من حق بعضنا أن يقلق ثقافياً عندما نرى كثيراً من القاصين يهجرون كتابة القصة القصيرة نهائياً أو  لمصلحة كتابة رواية أو غيرها… ولعلّ ما يخفف من وقع ذلك أننا نجد كثيراً من الروايات تحرص على أن تتشكل من بنيات قصص قصيرة عديدة… لكنها غدت روايات !!

كذلك نجد اليوم أنّ سردية القصة القصيرة تجتاح الشعر؛ فتتشكل هذه السردية في القصيدة من خلال دراميتها أو ملحميتها؛ لتغدو السردية صفة ملازمة لبنية الشعر الجديد- على أية حال !!
ثمّ ماذا عن هذه القصة القصيرة جداً؟! إنها كالرواية أيضاً؛ هي ابنة صغرى لهذه القصة  القصيرة…لكنها ربما تبدو أكثر استسهالاً واقتصاداً في ديناميات السرد من كتابة القصة القصيرة في منظور بعض كتابها، علماً بأنها (ق. ق .جداً) ينبغي أن تكون الأصعب في مستوى الكتابة الإبداعية، التي كلما كانت أكثر اختزالاً، بدت أكثر صعوبة وعبئاً تجاه مسؤولية إبداعها.
لست مع الذين يعتقدون أو يظنون أو تسول لهم أنفسهم أنّ القصة القصيرة قد اضمحلت أو أنها بلا مستقبل… ربما قالوا ذلك استناداً إلى ماضيها المهمّش خلال ثلاثين عاماً مضت، سواء أكان هذا التهميش بسبب الشعر أم الرواية أم كليهما، أم  بسبب تحولها ذاتياً إلى نص هجين مفتوح متداخل الأجناس أو بلا هوية.
لعلّ المستقبل يكون للقصة القصيرة من خلال هذا التطور الإبداعي المصاحب لتقنيات الكتابة الرقمية (الإلكترونية)، حيث غدت القصة القصيرة – بغض النظر عن جمالياتها التقليدية – جزءاً حميماً من هذه الكتابة الرقمية المشبعة بالسردية؛ أعني سردية القصة القصيرة أو القصة القصيرة جداً؛ وبخاصة بعد أن أمست الكتابة  الرقمية خطاباً تشعبياً مسكوناً بهذه السردية المتعددة أيضاً!!
وفي الوقت نفسه، لا بدّ ألا نعول كثيراً على نقاء  أي جنس من الأجناس الأدبية كلها، لأنّ التراسل والتداخل فيما بينها غدا حقيقة لا يمكن التغاضي عنها أو التقليل من شأنها؛ وبخاصة عندما نتأمل حضور القصة القصيرة في المقالة الأدبية، والخاطرة، وقصيدة النثر، والحكي داخل الحكي في الرواية أو الدراما (على طريقة الحكاية الإطارية في ألف ليلة وليلة)، والمنتديات الثقافية ومواقع التواصل الاجتماعي، بل إنها تسللت إلى الأخبار والتقارير الصحفية والتلفازية!!

وإذا كان الشعر ديوان العرب في الماضي، والرواية ديوان العرب في القرن العشرين إلى اليوم؛ فإن القصة القصيرة ربما ستغدو ديوان العرب بعد عشرين أو ثلاثين عاماً، من منظور تحولات الأجناس الأدبية نحو البنيات السردية المحدودة كماً وكيفاً وذات المقروئية العالية؛ وهنا تبدو القصة القصيرة هي الأكثر قرباً إلى أن تكون تاجاً للإبداع الرقمي مثلاً، أو للإبداع عموماً بصفتها تكثيفاً، فما يمكن قوله في مئة صفحة قد نختصره في صفحة أو صفحتين، أي في قصة قصيرة!
من المهم أيضاً، أن نتنبه إلى أنّ أي قاص لن يكون علماً  في المستقبل  في مجال كتابة القصة القصيرة أو القصة القصيرة جدًا. وإن بدا القاص يبحث عن نجومية ما كنجومية تشيخوف أو موباسان أو يوسف إدريس أو زكريا تامر مثالاً في كتابة القصة القصيرة، فلن يجدها على أية حال مستقبلاً ؛ إلا إذا دخل إلى عالم كتابة الرواية من ثَقب القصة القصيرة، باعتبار كثير من الروايات  لم تخرج عن كونها عدداً من القصص القصيرة كما أسلفت.
في المحصلة، لن نتوقع أن نرى نعشاً للقصة القصيرة في المستقبل، ولن ندعو إلى قتلها إن اعتقد البعض أن التجريب والتجريد في جسدها سكين، لا بدّ أنها القاتلة، ولا بدّ أن نتوقع لها بصفتها بنية سردية رئيسة أن تغزو كلّ الأجناس الأدبية الأخرى، والخطابات الثقافية والمعرفية والتواصلية في الحياة المعيشية اليومية، وفي الوقت نفسه ستبقى خطاباً إبداعياً مستقلاً، يمتلك هوية القصة القصيرة أو القصة القصيرة جداً!! وفي ضوء ذلك لا أتفق مع من يرون أنّ القصة القصيرة نص مغلق قابل للتلاشي في المستقبل (يرى ذلك د.عبد الله إبراهيم  في مقالته: هل حان الوقت لإعلان وفاة القصة القصيرة؟، جريدة الرياض، 3نوفمبر2011) .
أتمنى أن تحظى القصة القصيرة بجوائز عالمية، ومسابقات عديدة، وملتقيات نقدية مكثفة، ودراسات عليا جادة، وتجمعات رقمية مهمة ؛ كموقع القصة الذي يديره الأستاذ جبير المليحان، ونشر فاعل، وأن تكون هناك مؤسسات أهلية ورسمية ترعى هذا الفن الأصيل، القادر على أن يحمل نثريات العالم اليومية كلها على ظهره وفي أحشائه دون كلل أو ملل!!
المصدر : .www.maktoobblog.com
إقرأ 9251 مرات آخر تعديل على الثلاثاء, 25 أيلول/سبتمبر 2012 08:32
FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed