طباعة

كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته

Posted in استشارات

baby-handحدد الإسلام مسؤولية كل فرد منا تجاه من هو مسؤول عنهم ابتداءً من الحاكم، وانتهاءً بالخادم، ويوضح هذا قوله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والولد راعٍ في مال أبيه ومسؤول عن رعيته، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته».

كلنا مسؤولون أمام الله عن من تولينا مسؤوليتهم، ولا ينفعنا فلان.. ولا علان.. كمبرر لأي تقصير، فالله لن يقبل منا تلك الأعذار والحجج الواهية، فنحن المسؤولون عن تصرفاتنا وسلوكياتنا واختيار بطانتنا المحيطة بنا، والهيئة الاستشارية لنا، فالزوج الذي يعمل بنصائح زملائه وأصدقائه، وأقاربه في التعامل مع زوجه وأولاده بعنف وقسوة، والاستيلاء على أموال الزوجة ورواتب بناته، أو هجر الزوجة، وعدم الإنفاق عليها هي وأولاده منها، أو الذي يبيع ابنته ابنة الثماني، أو التسع سنوات لصديقه الكهل الثري مقابل أن يسد له ديونه.. إلخ،
سيُسأل أمام الله يوم القيامة عن كل ذلك، ولن يُقبل منه عذر بأنَّ أحد أقاربه أو أصدقائه أو زملائه، هو الذي حرَّضه على ذلك، لأنَّ الله زوَّده بعقل يميز بين الخير والشر والحق والباطل، والظلم والعدل، والعنف والقسوة، والرحمة والرفق.
والزوجة التي تقصر في حق زوجها وأولادها، وتدس لزوجها في طعامه أو شرابه سحرًا أو سُمًّا، أو تخونه في ماله، أو عِرضه بتأثير من قريباتها، أو صديقاتها، أو زميلاتها ستُحاسب أمام الله يوم القيامة على ذلك، ولن يشفع لها عندئذ ما تورده من حجج وأعذار أن أمها، أو صديقتها فلانة، أو زميلتها علانة هي التي دفعتها لعمل ذلك، فالزوج والأولاد أمانة في عنق الزوجة،
كما الزوجة والأولاد أمانة في عنق الزوج.
وكذا الأولاد الذين يقصرون في حقوق والديهم، وإن وكَّل أبٌ ابنه على أمواله، أو وظفه في إحدى شركاته أو محلاته، فلا يكون أمينًا على مال أبيه بحجة أنَّ هذا المال ماله لأنَّه مال أبيه، فيأخذ منه بدون إذن وعلم أبيه، وهو بهذا سرق أباه، لأنَّ مال أبيه ليس ماله، فلكل إنسان ذمة مالية مستقلة، ومال الأب ليس ملكًا للأبناء، ومال الأبناء ليس ملكًا للآباء، فكما لا يحق للآباء أن يستولوا على رواتب أولادهم وبناتهم، فلا يحق للأبناء أن يستولوا على أموال آبائهم وأمهاتهم.
والخادم، أو السائق، أو الخادمة مسؤولون أمام الله عن العاملين لديهم،
فالخادمة التي تسرق من مال، أو مجوهرات، أو ملابس، أو أثاث الذين تعمل لديهم، والتي تدخل رجال غرباء في بيتهم فترة غيابهم، أو تتصل بالهاتف دون علمهم، أو أخذ الإذن منهم، أو التي تدس سحرًا في طعامهم أو شرابهم، أو في أماكن نومهم، أو تضع من قاذوراتها في طعامهم،

أو شرابهم، أو تسيء معاملة أطفالهم في غيابهم، وتضع مواد حارقة وكاوية في حليب رضعات أولادهم، والسائق الذي يتحرش بأطفال أو بنات من يعمل لديه، ويستخدم سيارة مستخدمه لأغراضه الشخصية بدون إذنه، أو في ترويج ممنوعات، أو يستخدم غرفته في أعمال منافية للآداب، أو في صناعة الخمور، أو يتآمر مع زملائه على سرقة بيت مستخدمه، أو يقيم علاقة غير شرعية مع الخادمة التي تعمل في بيت مستخدمه، أو بيت الجيران، هذا، وتلك خائنان للأمانة والمسؤولية، وسيُحاسبان على ذلك يوم القيامة،
ولن تقبل مبرراتهم، وحججهم.
والمسؤولون والمدراء ورؤساء المؤسسات والشركات مسؤولون أمام الله يوم القيامة عن تقصيرهم في أمور المسؤولين عنهم، ولن تقبل مبرراتهم أنَّ نوابهم أو وكلاءهم، أو مدراء مكاتبهم، أو سكرتيريهم هم الذين زيّفَوا لهم الحقائق، أو حالوا بينهم وبين منسوبي وزاراتهم أو شركاتهم، أو مؤسساتهم، أو من يتعاملون معها من المواطنين، لأنَّهم هم الذين اختاورا البطانة المحيطة بهم،
وهم المسؤولون عن اختيارهم، وهم الذين حكموا على العاملين لديهم، وأصدروا قرارات بشأنهم بموجب ما نقله لهم رجال بطانتهم دون أن يستمعوا إلى أصحاب الشأن،
ودون أن يحاولوا أن يعرفوا الحقائق منهم، بل صمَّوا آذانهم عنهم، وفتحوها فقط لرجال بطانتهم الذين يحجبون عنهم الحقائق لأغراض شخصية، وليكون زمام الأمور في أيديهم يحولون بينهم وبين منسوبيهم، أو من يتعامل مع مؤسساتهم من الجمهور، فيحجبون الحقائق، أو يشوهونها، أو يزيفونها، وليبقيهم هذا المسؤول نجدهم يصورون له أنَّهم الوحيدون في المنشأة الذين يعملون، وأنَّهم عامودها الفقري، وأنَّ المنشأة لن تعمل بدونهم.
وتبرئةً لذمة المسؤولين، ولمعرفة أنَّ المحيطين بهم أمناء معهم، وينقلون لهم الحقائق، ولا يحجبونها عنهم، وللحيولة من أن يفكر أي منهم أن يجعل من نفسه حجابًا حاجزًا بين المسؤول ورعيته، أرى أن يُخصص كل مسؤول يومًا في الشهر يلتقي فيه بمنسوبي دائرته، أو مؤسسته، أو جامعته، أو وزارته، ومن يتعامل معها، ويستمع إلى مشاكلهم، ومطالبهم، عندئذ لن يجرؤ أي موظف أن يحجب عن رئيسه الحقائق، أو يشوهها.
أيًا كانت مواقعنا فكلنا راعٍ وكلنا مسؤول عن رعيته، وليتذكَّر جميعنا قوله تعالى:
(وَكُلَّ إنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اِقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ اليَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا).
المصدر : www.kidworldmag.com