طباعة هذه الصفحة
الثلاثاء, 07 تشرين1/أكتوير 2014 18:10

المستقبل يبدأ الآن.. ولا ينتهي

كتبه 
قييم هذا الموضوع
(1 تصويت)

أهداني الدكتور "معن القطامين" كتابه المنشور عن "دار مدارك للنشر" في عام 2013، وهو الكتاب الذي لم يأخذ حقه من الانتشار بسبب ضعف سوق الكتاب العربي، وعدم رغبة أو قدرة القراء العرب على التفريق بين الغث والسمين. يقع الكتاب في 200 صفحة، ويتضمن ثماني قصص ريادية رائعة. ورغم الإبداع والإمتاع الذي تنطق به قصص الكتاب، فلم أكن لأفكر في الكتابة عنه إلا لسببين:
•    الأول هو أن "المستقبل يبدأ الآن" هو الكتاب العربي الوحيد الذي قرأته كاملاً منذ صيف عام 2012 الذي أجريت فيه عمليات جراحية في عيوني. ولم تكن الحبكة القصصية، والشخوص الروائية، والصور السينمائية، واللمسات الإنسانية، هي وحدها مصدر إعجابي بالكتاب. فهناك نظرة فلسفية وطروحات علمية تلتقي وتتقاطع مع منهجية "التمتين" وعلاقتها بالريادة والإبداع في إنشاء المشروعات الجديدة، واعتبارها أساسًا لبناء المستقبل على أسس قوية، وبوعي إنساني عميق، عماده القيم وأخلاق العمل، التي تتفاعل وتتكامل مع ثقافة المجتمع الذي نعيش فيه.
•    السبب الثاني هو أنني ما إن انتهيت من قراءة "المستقبل يبدأ الآن" حتى وصلتني نسخة من كتاب "من صفر إلى واحد" لـ"بيتر ثيل" مؤسس شركة "بيه بال" وأكثر من عشر شركات أخرى أنشأها وأدارها على مدى العقدين الماضيين، وهو أول مستثمر في "فيسبوك"، حيث موَّل المشروع في بداياته بنصف مليون دولار، ليجني منه أكثر من عشرة مليارات في عشر سنوات.

لقد هالتني أوجه الشبه بين المؤلفين؛ حتى لأكاد أتخيل أنهما يعرف أحدهما الآخر. فكلاهما شغوف بالفلسفة والتاريخ والثقافة والأنثروبولوجيا والاقتصاد والاستثمار والفن والإعلام وطبعًا الإنترنت. وكلاهما دَرَّسا في الجامعة وقدَّما برامج إعلامية، وقاما بأكثر من مغامرة استثمارية في مجالات التنمية البشرية والتعليم الإلكتروني، فضلاً عن أنهما متقاربان في العمر، ويؤمنان بأنه لا يمكن بناء المستقبل والمنافسة فيه دون المزيد من المشروعات الجديدة التي تقوم على مبادرات أعمال تبتكر وتحتكر شريحة صغيرة من السوق، ثم تتوسع تدريجيًا حتى تبدع وتتميز فيه.

ترك "ثيل" دراساته العليا في جامعة "ستانفورد" بعد دراسته في "هارفارد"، وأعلن أن صنع المستقبل يرتكز على المبادرات الشبابية الفردية، وقد خصص 20 منحة سنوية لأي شاب يترك الجامعة ليبتكر مشروعًا جديدًا وغير مسبوق.  وبعد تخرجه في جامعة "واريك" البريطانية، ترك "القطامين" عمله في الجامعة وأسس "آفاق المعرفة" كشركة عربية رائدة في التنمية البشرية والتدريب والتعليم الإلكتروني. وهو يرى أن المعرفة أهم من العلم! لأن العلم الذي تقدمه المناهج المدرسية اليوم هامشي ولا يصنع رجالاً ولا نساءً واثقين من أنفسهم. فهو علم غير مفيد في حياتنا المعاصرة التي تتغير كل يوم. فرغم أن التعلم الحقيقي هو تمكين الطفل من التعلم الذاتي ليكون قادرًا على التعلم من الحياة ذاتها؛ فإن أولياء الأمور يريدون أن يكون أولادهم متفوقين في المدرسة فقط، وليس بالضرورة متفوقين في الحياة.

وإذ يرى "ثيل" أن الإنسان المتميز هو الذي يكون "واحدًا" فردًا ومغرِّدًا بين الأصفار؛ أي يكون شيئًا مذكورًا في وسط عالم من اللاشيء؛ يمتلك حريته وإنسانيته النابعة من خيال قادر على إبداع ما لم يبدَع، وصنع ما لم يُصنع؛ يرى "القطامين" أننا لا ينبغي أن نعلم أبناءنا بالتلقين، بقدر ما نشجعهم على التعلم؛ لأن السباق الحقيقي يجب أن يكون دائمًا بين الإنسان وذاته، ولأن التفوق على الذات هو الانتصار الحقيقي، ولأن أهم شيء في الحياة هو أن يكون الإنسان سيد قراره.

يقدم "ثيل" أفكاره الجريئة بلغة متدفقة وأسلوب بلاغي متميز. ويقدم "القطامين" كتابه بلغة سردية تأخذ بيئة المكان وثقافة الإنسان بعين الاعتبار. فسواء جرت أحداث حكاياته الريادية في الأردن أو الإمارات أو مصر أو بريطانيا، فإن شخوصه يتحدثون بفطرتهم ولغتهم، ويعبرون عن ثقافتهم بلسان حالهم، ويعكسون قيمهم. كما لا تخلو قصصه من الأساطير والحكايات، والحقائق المعلوماتية الموثَّقة.

لقد أعجبتني القصص الإدارية الثماني في كتاب "المستقبل يبدأ الآن"، ولم يعجبني أن يصدر الكتاب في طبعة محدودة لا تتجاوز ألف أو ألفي نسخة، في حين قفز كتاب "من صفر إلى واحد" إلى قمة مبيعات الكتب العالمية، وأتوقع أن يبيع أكثر من مليون نسخة قبل نهاية هذا العام، رغم أنه لم يصدر إلا في منتصف شهر سبتمبر الماضي. وهذه المفارقة تعبِّر في عالمنا العربي عن أزمة النشر أكثر مما تعبِّر عن أزمة الفكر. فالفكر الذي يقدمه "القطامين" و"ثيل" يتشابه ويكاد يتطابق، ولكن آليات النشر والتوزيع الاحترافي لم تبدأ في عالمنا العربي حتى الآن، ولن تبدأ في المستقبل الذي يبدأ الآن، ولا أظنها ستبدأ في المستقبل القريب.. الذي لا ينتهي.
نسيم الصمادي

 

www.edara.com

إقرأ 11317 مرات آخر تعديل على الجمعة, 29 كانون2/يناير 2016 23:36
sadam

من أحدث sadam