المقالات

طباعة

قانون منع التمييز العنصرى

Posted in آباء وأبناء

colored-peopleيبدو والأحداث الطائفية والسياسية تتسارع بهذا الشكل المنذر بالخطر أنه أصبح من الواجب صدور قانون لمنع التمييز العنصرى , ذلكم القانون الذى يمنع اضطهاد أحد أو استبعاده من وظيفة أو ترقية بسبب انتمائه الدينى أو توجهه السياسى , وهذا القانون أصبح ضرورة فى الوقت الحالى لتحقيق العدل بين أبناء الوطن الواحد بشكل عملى وواقعى بحيث لا يترك هذا الأمر رهينة للضمائر والقلوب الرحيمة أو غير الرحيمة .

 

وربما يبدو هذا الأمر مستهجنا من البعض مدّعين أننا فى مصر لا نعانى مشكلة تمييز عنصرى فليس لدينا بيض وسود , وإنما كلنا إخوة وكلنا مواطنون , وهذا كلام غير صحيح , ففى مصر الكثير من صور التمييز العنصرى التى تستدعى المحاكمة القانونية فى كثير من دول العالم المتقدم . وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر جميعا واقعة انتحار : "عبدالحميد شتا " خريج كلية الإقتصاد والعلوم السياسية والذى حرم من وظيفة ومكانة يستحقها لا لشئ إلا لكونه ابن رجل بسيط , وقد قيل فى قرار استبعاده أنه غير لائق اجتماعيا . ونذكر منع الكثير من المذيعات من الظهور على شاشات التليفزيون المصرى بسبب ارتدائهن الحجاب على الرغم من مخالفة ذلك للدستور الذى ينص على أن دين الدولة الإسلام وأن الشريعة الإسلامية هى المصدر الأساسى للتشريع . ونذكر استبعاد الملتحين والمنتمين إلى تيارات دينية أو سياسية بعينها من الوظائف الحكومية والجامعية ومن الإلتحاق بالشرطة أو الجيش وكأنهم أعداء للوطن . ونذكر يأس أى خريج لكلية الحقوق من الإلتحاق بالنيابة مالم يستوف شروطا أخرى بعيدة عن الكفاءة الشخصية , وأخيرا وليس آخرا ما يشكو منه الأقباط من تضييق عليهم فى بناء كنائسهم وترميمها وحرمانهم من وظائف بعينها بسبب ديانتهم , مع ما يتراكم بسبب ذلك من غضب واحتقان مذهبى وسياسى وطائفى ينفجر من وقت لآخر منذرا بمزيد من الإنفجارات لو لم يتم تصحيح الأوضاع وتدارك الأمور .

وإنه لمن الخطر بل من الخيانة لأمانة هذا الوطن أن نهون من هذه الأشياء أو نعتبرها أحداثا فردية تقيد فى كل مرة " ضد مخبول " , وكأننا نتعامل مع أطفال قصّر . وإننى لأخشى من سيناريوهات مرعبة أقربها أن يقوم مخبول آخر باغتيال أحد الشخصيات الهامة على هذا الجانب أو ذاك و وفى ظل هذا الإحتقان الشديد ربما لايستطيع أحد السيطرة على الغضب المتفجر و وقد تسعى القوى الخارجية بشكل أو بآخر لمثل هذه الأفعال وهى تدرى مدى الإحتقان والغليان القائم بحق أو بغير حق .


وقد يكون هذا القانون حبل إنقاذ لهذا البلد فى تلك الظروف لأنه سيضمن تحقيق العدالة بين أبناء هذا الوطن على اختلاف توجهاتهم الدينية والسياسية والإجتماعية , وعندها ستستريح النفوس وتطمئن حين ترى مسئولا يقدم للمحاكمة لمنعه قبطيا من وظيفة أو ترقية يستحقها , ومسئولا يقدم للمحاكمة لمنعه فتاة محجبة من الظهور على شاشة التليفزيون بسبب حجابها , ومسئولا آخر يمنع معيدا فى الجامعة من استلام وظيفته بسبب شبهة انتمائه إلى جماعة معينة أو تيار دينى أو سياسى لا يرتضيه هذا المسئول , ومسئولا آخر يقدم للمحاكمة لأنه تحيز لأبناء الأساتذة فى الجامعة التى يعمل بها وأهدر فرصا أمام الطلاب الجادين من غير ذوى القرابة أو الزمالة . وهكذا مع الوقت ومع تكرار تطبيق هذا القانون تتكون ثقافة العدل التى افتقدناها فى مجتمعاتنا مما أدى إلى تراكم وتصاعد حالات الغضب والغليان لدى قطاعلت عديدة من الشعب المصرى , وإلى وجود حالة من العدوان السلبى والعناد لدى كثير من الأطراف مما أدى إلى شلل الحياة فى كثير من جوانبها وقطاعاتها .

وأكاد أجزم أن تأخر صدور هذا القانون تحت أى دعوى من دعاوانا الزائفة قد يكون مبررا لوصاية أجنبية أو محاولات تدخل خارجى أو تدويل أحد قضايانا ( بحق أو بغير حق ) وخاصة قضية الأقباط , والتى يجد فيها المحقق الأجنبى جوانب كثيرة تستحق المساءلة , ولولا المواءمات السياسية وتبادل المصالح والغنائم لحدث هذا من زمن . وأتمنى ألا يضيع منا الوقت فى ترهات ومزايدات ثم نجد أنفسنا أمام مصير العراق أو مصير دارفور .

وفى الآية الكريمة يقول تعالى : " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم " , ونلاحظ هنا أن الله ذكر البر وهو كلمة جامعة لكل المعانى الخير , ولكنه خص القسط ( وهو العدل ) بذكر خاص , لأن العدل أساس الملك وهو أساس الإستقرار والطمأنينة فى العلاقات بين البشر , فلا يكفى فى علاقتنا بالآخر أن نهنئه فى الأعياد وأن نتبادل معه القبلات والأحضان , بل الأهم من ذلك إقامة العدل فى التعامل معه حتى لو اختلفنا معه فى الديانة أو التوجه السياسى أو الإجتماعى .

 

المصدر : www.elazayem.com