طباعة هذه الصفحة
السبت, 17 تشرين2/نوفمبر 2012 18:53

ماذا يريد أبناؤنا منا؟

كتبه  فاتن عمارة
قييم هذا الموضوع
(0 أصوات)


أولاً: يريدون أنْ نكون لهم قدوة حسنة
عين الطفل على أمّه وأبيه كالميكروسكوب يرى فيهم أدقّ الأشياء؛ فطفلك يراقبك باستمرار، ويحاكي فعلك، وكذلك رد فعلك عند المفاجأة، وعند الإحباط، أو الحزن، أو الغضب، وطريقتك في استقبال الضيوف، ومدى صدقك وأمانتك، والطريقة التي تعبّر بها عن سرورك وحزنك وغضبك.

نحن نحتاج إلى وِقفة صادقة مع أنفسنا نقيّم فيها سلوكنا، ونقوم بتعديل ما فينا من عيوب، لا نريد أنْ نراها في أبنائنا؛ فالطّفل يمسك بالقلم ويضعه في فمه محاكاةً لأبيه المدخّن، وكذلك يسجد عندما يرى أباه أو أمه ساجدين، ولكنّ هذه الصّفة جيّدة إذا استغلّت بشكل صحيح من خلال الآتي :
1- أنْ نربط الطفل بالقدوة الأولى لنا، والتي ارتضاها لنا رب العالمين حين قال جل وعلا: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ) [الأحزاب: من الآية21] وأنْ نعلّم الطّفل أنّ النبي صلى الله عليه وسلم هو القدوة وهو الشخصية التي يجب علينا جميعًا أنْ نحاكيها، ونقلّدها؛ لأنّه صلّى الله عليه وسلم هو المعصوم من الخطأ، وكل إنسان غيره قد يصيب ويخطئ حتى نحن
2- نحكي لهم قصص الصحابة كعدل عمر وشجاعة خالد وعلم علي.
3- أنْ نُريهم منّا كلّ ما هو حسن ( الصلاة الصيام الصدقة  الخ)
4- أنْ نصحبهم معنا إلى كلّ ما هو حسن ( كالمساجد - ودور التّحفيظ -زيارة الصّالحين).
5- أن نفسر لهم الأعمال الحسنة التي نقوم بها ( أنا أقبّل رأس ويد جدتك؛ لأنّ الله أمرنا ببرّ الوالدين- أو أُعطي الحلوى هذه لجيراننا؛ لأنّ الله أمرنا بالإحسان إلى الجار- وهكذا
6- الابتعاد عن الألفاظ البذيئة أو الدارجة واختيار الألفاظ الحسنة

ثانياً: أنْ نعزّز سلوكهم الإيجابيّ
إنّ الطفل لا يملّ من سماع كلمات الإطراء والاستحسان والتشجيع من والديه حين يقوم بعمل جيّد؛ فالطفل مثلاً حين يقوم بعمل ما ( إعادة اللّعب إلى صُندوق اللّعب- صلى مع والده في المسجد – وضع ورقة الحلوى في صندوق القمامة لا على الأرض) يحتاج أنْ يجد أثر العمل الكبير الذي قام به على وجوهنا، و ألسنتنا؛ كأن نبتسم، و نقول له: جزاك الله خيرًا، ما أجمل ما قمت به ، ما فعلته يُرضي الله) وإلا من أين يعرف الطفل السلوك الجيّد من السّيئ، أو يدرك الحسن من القبيح؟
وهذا ما يوصي به علماء النفس قائلين :" على الآباء أن يمنحوا أبناءهم الكثير من المدح، وهم يحسنون السلوك؛ فهذا من شأنه تدعيم السلوك، وزيادة ثقتهم بأنفسهم"
نعم إنّ من شأن تعزيز السلوك الإيجابيّ لدى الطفل زرْع الثّقة في نفسه وزيادة إحساسه بأنّه شخص متميّز وفعّال، وأّنه قادر على مواجهة الصّعاب والتحدّيات التي تواجهه، وهذه الثّقة المتنامية تفضي إلى مثابرة، ثم إلى شجاعة، ثم إلى قيادة.. الخ
فالطفل الذي يحصل على مزيد من الإطراء يقوم بعمل العديد من الأعمال التي يتوقع شكره عليها .
والطفل الذي لا يحصل على هذا التشجيع غالبًا ما يحبط وتقلّ دافعيّته في الإقبال على أيّ عمل
وهناك أمور لابدّ أنْ نراعيها حين نعزّز سلوكهم الإيجابيّ وهي:
1- التوازن بين التشجيع الماديّ والمعنويّ؛ فالاقتصار على الدّعم الماديّ يجعل الطفل نفعيًّا لا يقوم بأيّ عمل دون مقابل متفق عليه مسبقًا، والدّعم المعنويّ فقط سرعان ما يملّه الطفل حين يحب أنّ يرى ناتج عمله الجيّد ملموسًا كمذاق قطعة الحلوى أو نقود أو لعبة  الخ
2- أنْ نربط الطفل بالثواب الأُخرويّ دائمًا كأنْ نقول له: إنّ هذا العمل يرضي الله عزّ وجلّ، هذا الحرف الذي تقرأه في القرآن بعشر حسنات، أو نقول حين يصلي في المسجد: هذه الصلاة التي صليتها بـ27 صلاة في البيت) فهذا من شأنه يعلم الطفل إخلاص العمل لله عز وجل ويدعم سلوكه الجيد 

ثالثاُ: إظهار حبّنا لهم
لا شك أننا نحب أبناءنا ولكن مع انشغال كل منا بأداء دوره ومهامه قد ننسى إظهار هذه المشاعر لهم فهم يحتاجون إلى ترجمة عمليّة وملموسة لهذا الحب لما له من أكبر الأثر في نفوسهم وإحساسهم بالسّعادة. فعلى سبيل المثال أكّدت دراسة حديثة أنه كلما زادت مداعبة الطفل الرضيع زاد إفراز هرمون النموّ ونشط الجهاز المناعي لديه لمقاومة الأمراض، وارتفعت نسبة الهيموجلوبين في الدّم، وكأن لسان حاله يقول: أستحقّ أن أصح وأحيا مع أبوين يحبانني ويتقبلانني (دراسة: ستيف بيد ولف/أمريكا)
ومن الطرق العمليّة لإظهار هذا الحبّ كالآتي:
1- مداعبتهم والتصابي لهم
اللّعب بالنسبة للطفل هو الحياة، وهو المتعة الحقيقيّة التي يشعر بها، وما أجمل أن يشاركه هذه المتعة من يحبهم! لأنّ ذلك يزيد اللعب بهجة على بهجته.
كان صلّى الله عليه وسلم المعلّم القدوة يداعب حفيديه الحسن والحسين – رضي الله عنهما- ويتصابى لهما، عن جابر- رضي الله عنه- قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يمشي على أربع- أي على يديه ورجليه- وعلى ظهره الحسن والحسين وهو يقول: نعم الجمل جملكما، ونعم العدلان أنتما" رواه الطبراني وكان صلى الله عليه وسلم يمرّ بالغلمان يرمون بالنبل والسهام فيشجّعهم قائلاً: "ارموا يا بني إسماعيل، فإنّ أباكم كان راميًا" رواه البخاري. وأخرج الإمام أحمد بإسناد حسن عن عبد الله بن الحارث - رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصف عبد الله وعبيد الله وكثير بن العباس - رضي الله عنهم- ثم يقول:"من سبق إليَّ فله كذا وكذا"قال: فيسبقون إليه، فيقعون على ظهره وصدره، فيقبّلهم ويلتزمهم". هكذا كان المعلّم الأول في هذه الدنيا مع الصغار يداعبهم ويلاعبهم، ولا يتعالى عليهم، أو يستصغرهم، بل يتصابى لهم؛ ليعلمنا كيف تكون الرحمة بهم؛ فقد يخشى البعض ذهاب الهيبة أمام الأبناء، وأقول: إنّ هذا لا يتنافى أبدًا مع الوقار والهيبة؛ فقد كان يفعل ذلك أعظم رجل في العالم، وقد يدّعي البعض الآخر الانشغال، وعدم وجود وقت لهذا ، كان النبيّ صلى الله عليه وسلم أكثر انشغالا منّا؛ كان مسؤولاً عن تبليغ دعوة للعالمين، وتربية خير أمّة أخرجت للناس ليعلّمنا كيف نربّي أبناءنا فلنفعل اتّباعًا لسنته صلى الله عليه وسلم لننال بركة وأجر اتباع السنة أولاً ولكي نظهر حبّنا لأبنائنا

2- تقبيلهم من حين لآخر
كثيرًا ما يقبّل الأبوين أبناءهما في الشهور الأولى من العمر، ولكن ما أنْ يتمّ الطفل عامه الثاني ويعامل على أنّه رجل، ولا وقت للتدليل؛ فالطفل والمراهق أيضاً في حاجة دائمة أنْ نظهر حبّنا له، وأنّه شخص هامّ، ومقبول لدينا من خلال تقبيله أو المسح على شعره، أو التّربيت على كتفه وظهره، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قبّل الرسول صلى الله عليه وسلم الحسن بن عليّ وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالس، فقال الأقرع: إنّ لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدًا، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ثم قال:"من لا يرحم لا يُرحم" فلنحرص على تقبيل أبنائنا ولا نستخفّ أو نتحرج من ذلك؛ فقبلة على جبين ابنك حين يذهب إلى المدرسة، أو حين تعود إلى المنزل لها أكبر الأثر في نفسه، وهذا بدوره ما يزيد من حب أبنائنا لنا

3- التواصل والتواجد معهم بالقدر الكافي0
أودّ أن أؤكد على أمر غاية في الأهميّة، وهو أنّ الأبناء يستمتعون بالجلوس مع الآباء في مجالس عائليةّ دافئة ولطيفة؛ مما يضيف فائدة جديدة فوق استفادتهم فيشعرون بالترابط الأسري، وهو ما يشعرهم بأرض صلبة يقفون عليها مما يزيد من قوتهم وثقتهم بأنفسهم. فلا بدّ من إيجاد نشاط ما يجمع بينكما كوالدين وبين أبنائكما تمارسونه سويًَََََََّا كالخروج معاً للتنزّه أو عمل مسابقات ثقافيّة، أو حركيّة مما يعمل علي تجديد الحياة للجميع؛فلا يمكن للعمليّة التربويّة أنْ تتمّ بدون تواصل؛ فالأطفال الذين يجدون من آبائهم عاطفة واهتمامًا ينجذبون نحوهم، ويصغون إليهم بأسماعهم وقلوبهم ويشعرون بأهمّيتهم، والأبناء الذين لا يكلمهم آباؤهم إلا نادراً ينشؤون أقل ثقة بالنفس من الذين تعوّدوا على الكلام، والحوار الهادئ مع آبائهم، فعلينا أنْ نبدي اهتمامنا بهم، وأنْ نتواجد ونتواصل معهم حتى لا يبحثوا خارج البيت عمّن يسمعهم ويهتمّ بهم

رابعاً: العدل والمساواة بين الأبناء
قد يكون أحد الأبناء عصبيًّا أكثر من إخوته أو متأخرًا دراسيًّا أو سيِّئ الخلق، فلن يجدي معه إلا الإحسان إليه والعدل بينه وبين إخوته؛ فلا يحضر الأب لعبة لابن دون الآخر، ولا تقبّل الأم أخًا دون أخيه، فلا بد أنْ تصافح وتقبل بنفس الحماس والكيفيّة دون تفرقة، فالتفرقة في المعاملة من أكبر الأخطاء التي قد يقع فيها المربي والتي تؤثّر سلبًا على المفضّل و المفضّل عليه على حد سواء؛ فالمفضّل يصبح إنسانًا أنانيًّا مغرورًا مدللاً غير قادر على تحمل المسؤوليّة، والمفضّل عليه يصبح عدوانيًّا يكره إخوته ويحسدهم، وقد يكون التفضيل ليس على أساس السّلوك والأخلاق؛ فالبعض يفضل على أساس الجنس كأنْ يفضّل الولد على البنت، أو العكس، أو على أساس الشكل أو السنّ000 الخ فلنحرص على العدل والمساواة بين أبنائنا لكسب ودّهم وحبّهم
فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "سوّوا بين أولادكم في العطيّة" أخرجه الطبراني والبيهقي

خامساً:الأخذ بأيديهم لمعرفة خالقهم جلّ وعلا
يمكن تلقين الطّفل منذ الرابعة أركان الإيمان، فنشرح منها كلّ ما يتناسب مع قدرته على الفهم، ونشرح له كذلك أركان الإسلام ونعوّده على الوضوء والصّلاة، ونحبّبه فيها (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا...) [طه:132].
ونفسر له بأنّنا نصلي ليرضى عنّا الله، وأنّ المصلين لهم الجنة،ونعلّمهم آداب الإسلام في الطعام والشراب والنوم و0000الخ كذلك نعلّمهم قراءة القرآن وحفظه فتعليم الصغر أشد رسوخا، فقد حفظ كثير من سلف هذه الأمّة القرآن منذ الصغر بفهم جيّد، فالإمام الشافعي رحمه الله يقول: حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت موطّأ مالك وأنا ابن عشر.
وينبغي أنّ نعلّم الطفل أنّ الماهر في تعلّم القرآن وحفظه سيكون مع الكرام البرَرَة في الجنّة، وأنّ من يقرأ القرآن ويتلعثم فيه وهو عليه شاقّ فله أجران، وأنّه سينال حسنة عن كل حرف يتلوه من القرآن، والحسنة بعشر أمثالها حتى ينشأ على حبّ وتعظيم كتاب الله وتوقيره.
كذلك تشجيع الابن على حفظ ما تيسر من الأحاديث النبويّة والأدعية والأذكار ولا ننسى مكافأته على ما يحفظ؛ لتشجيعه على الاستزادة من العلم النافع، فهذا إبراهيم ابن أدهم يقول له أبوه: "يا بني، اطلب الحديث فكلما سمعت حديثًا وحفظته فلك درهم" فيقول إبراهيم: "فطلبت الحديث على هذا".

 

 

المصدر : www.kidworldmag.com

 

إقرأ 8982 مرات آخر تعديل على الإثنين, 01 شباط/فبراير 2016 23:05

البنود ذات الصلة (بواسطة علامة)